تسير حليمة السورية أكثر من 10 كيلو مترات على الأقدام كل يوم للوصول إلى الجانب العراقي من الحدود مستفيدة من تغاضي حرس الحدود العراقيين عن مطالبتها بإبراز جواز السفر وتأشيرة دخول مسبقة لأسباب «إنسانية»، لتقوم بشراء لترات من المحروقات وبيعها في الجانب الآخر من الحدود، لإعانة أسرتها التي تعاني في ظل الصراع المسلح الذي تشهده بلادها منذ 22 شهرًا. من منطقة «شلكي» على الجانب العراقي من الحدود، تتحدث حليمة جمعة في العقد الخامس من العمر، عن الأوضاع المعيشية الصعبة التي تعيشها قريتها السورية الحدودية «باني شكفتي»، ولم يدفعها لهذا العمل الشاق سوى مرض زوجها لتتمكن من توفير لقمة العيش لأفراد أسرتها الخمسة. وتسرد حكايتها قائلة: «الأموال التي أحصل عليها من عملي هذا لا يعادل الجهد الكبير الذي أبذله، لكني مضطرة لمساعدة زوجي وأطفالي الصغار، لست وحدي أفعل ذلك، العديد من نساء القرية دفعتهن صعوبة الأوضاع الاقتصادية إلى العمل». وتمر «حليمة» وعشرات آخرون من الأكراد السوريين من الصبية والرجال والنساء إلى الجانب العراقي من الحدود لكسب قوت أسرهم، دون أن يكونوا مضطرين إلى إبراز جوازات السفر أو الحصول على تأشيرة مسبقة للدخول، وذلك لأسباب تعود إلى تساهل قوات «البيشمركة» مع قضيتهم كونهم من بني جنسهم، إلى جانب الأسباب الإنسانية التي تتعلق بالأوضاع التي تمر بها سوريا. لكن، هذه التسهيلات في شمال العراق وهو إقليم يتمتع بالحكم الذاتي، لا ترضي الحكومة العراقية في بغداد، بل وأغضبتها، وكاد أن يؤدي ذلك إلى صدام مسلح بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة في يوليو/ تموز من العام الماضي، قبل أن يتم احتواء الأمر، لكن قوات الطرفين لا تزال تقف قبالة بعضها البعض. وسمحت إدارة إقليم شمال العراق، ومن باب التعاطف مع السوريين، حتى الآن بوصول نحو 60 ألفًا من اللاجئين، وقامت بتوطين نصفهم تقريبًا في مخيم كبير أنشأته، فيما سمحت وبشكل استثنائي للآخرين بالعيش في المدن بل وحتى العمل وكأنهم أبناء المنطقة. في المقابل، ورغم وجود منافذ حدودية رسمية بين البلدين في المناطق التي تديرها الحكومة العراقية بشكل مباشر، إلا أن بغداد لم تسمح سوى بدخول أقل من 10 آلاف من اللاجئين السوريين لأراضيها، وقررت إبقاءهم في مخيمات محكمة بالقرب من الشريط الحدودي بين البلدين، ومنعت عنهم الحركة إلى خارجه. وأشار جبار ياور، المتحدث باسم وزارة البيشمركة بإقليم شمال العراق، في مؤتمر صحفي عقده مؤخرًا إلى أن الإقليم سعى لدى بغداد لافتتاح معبر حدودي رسمي في مناطقهم مع سوريا، وسعت أيضا لإقامة جسر على نهر الخابور الذي يفصل شمال العراق عن سوريا في إحدى المواقع الحدودية، «إلا أن بغداد ودمشق لم ترضيا»، وأضاف ياور «ومع ذلك فإن الحركة لا تزال مستمرة عبر الحدود مع سوريا، رغم أن ذلك يعد انتهاكًا قانونيًا ودستوريًا، أخطرتنا إزاءه الحكومة الفدرالية في بغداد بشكل رسمي مرات عديدة، وقالت لنا: «إن حركة المرور عبر الحدود في تلك المناطق غير شرعي.. الأمر ذاته كاد يؤدي إلى صدام في الفترة الماضية». ودفع توجيه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في يوليو/ تموز الماضي بقواته إلى الشريط الحدودي مع سوريا في المناطق الواقعة تحت سيطرة إقليم شمال العراق لإحكام السيطرة على كامل الحدود مع سوريا، بعدما اطلعت على تقارير نشرها الإعلام وتحدث عن تدفق اللاجئين السوريين على الإقليم، وتحولت منطقة شلكي 60 كم غرب محافظة دهوك والواقعة على الحدود العراقية السورية إلى ممر لدخول النازحين السوريين إلى شمال العراق، ولنقل البضائع إلى سورية، ويدخل يوميًا من خلال هذه المنطقة بين 200 400 شخص سوري لشراء ما يريدون من المحروقات والمواد الغذائية والسجائر، ويأتي السوريون بأغنامهم ومواشيهم وطيور الدواجن لبيعها في الجانب العراقي. ومن هناك تحدث السوري جاسم صالح 44 سنة قائلاً: «نأتي إلى هنا من الجانب الأخر للحدود يوميًا لشراء البنزين ونقله إلى سورية حملا على الأكتاف نقطع مسافة أكثر من 10 كيلومترات، نبيعه هناك بنحو دولار وربع، ونربح أقل من نصف دولار على اللتر الواحد.. «صحيح الأرباح قليلة لكننا مضطرون لأننا نواجه أوضاعًا معيشية صعبة في بلدنا»، ويمضي بالقول: «إن قوات البيشمركة التي تسيطر على المنطقة لا تضايقنا، لكننا نرغب أن يتدخل المجتمع الدولي لفتح معابر إغاثية في المنطقة لإيصال المعونات الإنسانية للسوريين».