جميلٌ أن يقرأ المرء كتابًا من على ارتفاع 33,000 قدم، وهذا ما حدث لي وأنا أقرأ كتاب «الطريق إلى مكة» للكاتب السفير الألماني «مراد هوفمان»، والذي استمد مُسمَّى الكتاب من العالم «محمد أسد». عشت من خلال كتابه؛ تجربته في رحلته إلى مكة لحج بيت الله الحرام، وقد دعاه الملك فهد -رحمه الله- على مائدته في عيد الأضحى بعد كتابه «الإسلام كبديل». عندما يولد المرء مسلمًا، فان استشعاره لعظمة الإسلام -غالبًا- لا يكون كمن اختار الإسلام دينا.. وهذه تجربة الكاتب أشارككم فيما استوقفني. كتب عن تجربته مع الصلاة، وهو الذي بدأ يتعلمها في الخمسينيات من عمره. يقول د. هوفمان: «إن من لا يصلي ليس بمؤمن من وجهة نظري، فمن يؤكد لامرأة غائبة حبه لها، دون أن تكون لديه رغبة في التحدث إليها تليفونيا أو في الكتابة إليها، ودون أن يلقي نظرة واحدة على صورتها طوال اليوم، ليس محبًا لها في حقيقة الأمر». ويتحدث عن الإنسان المعاصر الذي يعيش زمن السرعة والقلق يجد مناجاته في الصلاة. حيث يقول: «بفضل الصلاة الإسلامية لا يستطيع مسلم حقيقي أن يكون متوترًا مؤرقًا، ولا أن يكون مصدرًا للتوتر والأرق. إني وجدت عبر الصلاة تلك الطمأنينة والتحرر الداخلي الذي ينتزع المسلم من الضغوط كافة. «فقد تعرض لحملة هجوم بسبب إسلامه لم يعرها أي اهتمام بسبب «إياك نعبد وإياك نستعين». لذلك لم يتحمل العيش في بلد لا يسمع فيه الأذان. كتب عن تجربته مع الصيام وحبه لشهر رمضان، لكنه أبدى استياءه من بعض العادات في بلاد العرب كانخفاض إنتاجية العمل، واستبدال الليل بالنهار، واتخام البطون بالطعام. يستغرب الكاتب من بعض المسلمين الذين يراهم يشربون الخمر. وهو الذي تربى على شرب زجاجة النبيذ الأحمر فوق مائدة طعامه قبل إسلامه، ثم أقلع عن شربه حال ما أسلم، وسمَّى عهده الماضي ب»زمن الظلام». يواجه المسلمون الجدد والمسلمون عامة في بلاد كثيرة صعوبات لا نتخيلها، وقد ذكر الكاتب التجربة في ألمانيا في عهده من عدم السماح للعامل المسلم بالصلاة في مكان عمله وأثناء مواعيد العمل، وصعوبة الحصول على لحوم ذُبحت وفق الشريعة الإسلامية، وتعرض الفتيات للسخرية بسبب ارتداء الحجاب، أو لرفضهن ارتداء ملابس السباحة المشتركة مع الفتيان حتى عام 1990 أخذوا حقهن في الحد من واجب السباحة المدرسي. وتمتد المآسي لتصل إلى أن يتبرَّأ أهل المسلم الجديد منه، وقد كتب المؤلف مقالًا بعنوان: «كيف أُخبر أمي»؛ المرأة شديدة التمسك بالكاثوليكية، وتصل العقبات إلى صعوبة إجراءات الدفن التي تلقى اعتراضات شديدة هائلة ولا تتوفر إلا في مقابر محدودة جدًا أن يُدفن المسلم على جنبه الأيمن موليا شطر مكة. إن الكاتب يجعل المسلم يستشعر الآية: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ».. ونحمد الله على أشياء كثيرة لا نُفكِّر بها في حياتنا من مشرب وملبس ومسجد ومقابر. وأحب أن أشيد بجهود هيئة المسلمين الجدد في جدة في الدعم النفسي والاجتماعي والديني للمسلمين الجدد وخاصة القسم النسائي فجزاهم الله ألف خيرًا.