اتهم الباحث الفلسطيني الدكتور صادق عبدالله أبوسليمان أستاذ علوم اللغة العربية جامعة الأزهر في غزة وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة الأعمال الفنية بأنها السبب في الانحدار اللغوي لدى الشباب وأشار إلى بروز ظاهرة «الروشنة» في حوارات الشباب اليومية، مطالبًا بضرورة إعمال مقص الرقيب بالنسبة للأعمال الفنية التي يشاهدها النشء للحد من هذه الظاهرة.. تجديد وتمرد أبوسليمان ل»الأربعاء» عن بداية نشوء هذه الظاهرة قائلاً: أرى أن ظاهرة «الروشنة» تشكل تجديدًا أو تمردًا على اللغة العربية على ألسنة شبابنا العربي المعاصر ولاسيما في مصر وذلك بتأثير الأعمال الفنية سواء المسرحية أو السينمائية أو التلفزيونية، إضافة إلى انتشار الثقافة الأجنبية بين شبابنا وهذا مرجعه أيضًا إلى انتشار مدارس اللغات والاهتمام باللغات الأجنبية في كثير من مناهجنا الدراسية؛ وبالتالي هذه الظاهرة فيها ألفاظ قد لا يفهمها الكبار لأنهم لم يستعملوها، وهذه الألفاظ في الأساس تعبر عن الخروج على اللغة العربية، وهي في مجالات محدودة مثل مجالات اللهو وحالات العشق والحب وما إلى ذلك». بارقة أمل ويتابع أبوسليمان حديثه مضيفًا: «كنت قد أعددت دراستين عن مصطلح «الروشنة»، وخلال فترة الإعداد كدت أن أصاب باليأس من إصلاح اللغة على ألسنة شبابنا المعاصر، وكنت أظنه في طريقه إلى الخروج بل إلى طلاق اللغة العربية نهائيًا؛ لكن يقيني أنها لغة كفل لها الخالق الحفظ ما ظلت الأرض باقية وقد زاد من ثقتي وإيماني بحفظ اللغة العربية ما شاهدته من لغة الشباب الذين يتحدثون في الوسائل الإعلامية عن الثورات العربية المعاصرة؛ فقد أعادت لغة هؤلاء الشباب الروح لي من جديد حيث وجدتهم شباب جاد ويستطيعون التحدث باللغة العربية، وقد انتشيت فرحًا وطربًا بعد سماعي للغتهم وبلاغتهم، والآن نأمل خيرًا لمستقبل اللغة العربية، وأنا أدعو جميع اللغويين إلى دراسة لغة الشباب لإظهار ما فيها من إبداع وما فيها من هنات أو ضعف تشجيعًا أو علاجًا». ثورة للهوية وحول دور الثورات العربية الراهنة في إحداث نهضة لغوية يقول الدكتور صادق: «نحن ندعو إلى أن تولي الثورات العربية عناية بجانب اللغة، ونأمل أن تكون للثورات انعكسات إيجابية خاصة أننا نسمع الآن عن المد القومي لهذه الثورات، وعن النَفَس القومي، وعن ضرورة الاهتمام بالقومية العربية مما يعني أننا عدنا لرشدنا بالنسبة إلى القومية العربية، وبالتالي فإن أهم رابطة من روابط القومية العربية هي اللغة؛ فاللغة هوية الأمة، وقد أعددت دراسة بعنوان لا هوية بدون لغة ولا عروبة بدون العربية.. فنحن الآن بحاجة إلى توعية جماهيرية بأهمية اللغة بوصفها المكون الرئيس في مسألة الهوية، والآن لدينا وسائل اتصال حديثة خاصة الإنترنت نستطيع من خلالها أن نتعاون لنشر قيمنا وثقافتنا التراثية والمعاصرة التي نرغب فيها وأيضًا نستطيع أن نخدم اللغة العربية من خلال مواقع الاتصال الاجتماعي فالشباب اليوم ينزع إلى الحرية لكنه مقبل على التمسك لكل ما هو عربي يشده إلى هذه الأرض». مواءمة وتجانس وينتقل أبوسليمان بحديثه مبينًا أثر لجوء بعض الأدباء إلى اللهجات العامية وانتشارها في وسائل الإعلام على اللغة العربية الفصيحة قائلاً: «لا نستطيع أن نتنصل أو نبتعد عن اللغة العامية، فبالنسبة للناس الآن هي اللصيقة بهم بخلاف اللغة الفصيحة فكثير من الناس عندما يتحدث باللغة الفصيحة قد يلحن ولكنه لا يلحن في اللغة العامية لأنه تعلم اللغة الفصيحة ولم يطبقها في جميع المجالات بخلاف اللغة العامية ونحن لا نرفض الأدب العامي كما لا نرفض الأدب الفصيح فلكل مقام مقال، كذلك نحن نحتاج إلى مستويين من اللغة العربية؛ مستوى للمتخصصين ومستوى آخر لغير المتخصصين وبذلك نستطيع أن نوائم بين التطبيق الفعلي للغة العربية لدى المتخصص ورجل الشارع، مهمتنا الآن تقريب العامية أو تقريب اللهجات العربية من بعضها بعضًا في ظل المد القومي ويحتاج منّا هذا الهدف إلى ثورات لأجل النهوض والارتقاء باللغة العربية.. ويبرز هناك دور المجامع اللغوية والمؤسسات التعليمية، فدور المجامع اللغوية هي تنتج وليس عليها أن تنشر فهناك جهات أخرى غيرها تقوم بهذا الدور مثل المؤسسات التعليمية والثقافية ووسائل الإعلام هذه الجهات عليها القيام بمهام نشر ما تنتجه المجامع اللغوية». أفق المستقبل ويختم أبوسليمان حديثه مستشرفًا مستقبل اللغة العربية بقوله: دوام الحال من المحال؛ وبالتالي اللغة العربية بخير طالما اهتمت وسائل الإعلام بفصاحة الكلمة، فنحن سوف نرى مستقبلاً طيبًا للغة العربية فاللغة العربية بحر زاخر لا ينضب، كما أنها عميقة وغنية بألفاظها ومفرداتها وهي كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم: أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي وهي تحتاج إلى غوّاص ماهر يقوم بتيسير اللغة العربية للناس وتقديم العربية على شكل وصفة طبية مثل الطبيب الذي يقدم الوصفة الطبية للمريض دون إدخاله في متاهة المصطلحات العلمية فالمريض يريد العلاج العاجل دون التعمق في المصطلحات حيث إن هناك فرقًا بين اللغة العربية للمتخصصين واللغة العربية للإنسان العادي فالمتخصص عليه أن يتعمق في اللغة العربية وأسرارها أما الإنسان العادي فليس معنيّ بذلك.