من أبرزِ ملامحِ شريعةِ اللهِ تعالى توجيهُ المجتمعِ للمحافظةِ على بعضِهِ، وصيانتِهِ لأفرادِهِ، وحمايتِهم من كلِّ ما يوقعُ في الضررِ، أو يوصلُ إليه، فضلاً عن الرقيِّ به إلى أعلى المستويات، والوصولِ به إلى أسمى الغايات، فمَن رأى خطأً صوّبه، ومَن رأى مخطئًا وجّهه، ونصحه، بدافعِ حبِّ الخلقِ، وإكرامِهم، والحرصِ عليهم، استجابةً لإكرامِ اللهِ تعالى لبني آدم {ولقدْ كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البرِّ والبحرِ ورزقناهم من الطيباتِ وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلاً}، وبدافعِ حبِّ الإنسانِ لغيره ما يحبُ لنفسهِ، وكلّما استشعر المرءُ ذلك؛ وقامَ بدورِه خيرَ قيامٍ كان المجتمع أطهر، وتعلّم بعضُه من بعضٍ، بل إن ذلك سبب ظاهر في حماية الأخلاق والقيم، والرقي بالمجتمع إلى كل خلق رفيع، ونهج قويم، وتلك هي وصيته صلى الله عليه وسلم لأمته، حيث قال: «الدين النصيحة»، فجعل الدين نصحًا وتوجيهًا، وذلك ليس مقتصرًا على خاصةِ قرابةِ المرءِ، أو على أبناءِ حيّه وبلده، بل هو خلقٌ رفيعٌ يتعاملُ به المسلمُ مع جميعِ أفرادِ المجتمع، تشملُ الراعيَ والرعيةَ، كلٌّ بحسبِ ما يناسبُه من أسلوبٍ، وما يلائمه من طريقةٍ، فالقيامُ بالنصحِ ليس تدخلاً في شؤونِ الناسِ الخاصةِ، أو تعديًا على حرياتهم، أو قسرًا لهم على أمرٍ ما، ولكنه توجيه إلى الأفضل، والرقيّ إلى الأسمى من الفعلِ والقولِ، وتكميلٍ للنقصِ والقصورِ الذي جبلَ اللهُ عليه بني آدم، وأيضًا هو تصحيحٌ وحمايةٌ للمجتمع؛ فقد لا يدرك فاعلُ الخطأ عواقبَ فعلِهِ، ومنتهى خطئِهِ، فيجد من الناسِ مَن ينبهه ويذكّره، فالخبراتُ متفاوتةٌ، والتجاربُ متراكمةٌ، ولا تجتمعُ أمةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم على ضلالةٍ، فانصحوا، ووجّهوا، فإنَّ النصيحةَ مِن الدِّينِ.