سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
نوما هانئا وأحلاما سعيدة لقد تحوّل أساتذة وشيوخ ودكاترة جامعيون فجأة من تخصصاتهم المختلفة إلى استشاريين ومتخصصين وعلماء في تفسير الأحلام والمنامات والرؤى..
قال صاحبي متسائلاً: هل نحن مجتمعٌ حالمٌ؟ قلتُ: وما الضير في ذلك يا صاح، ألسنا نحلم دومًا بمجتمع مثالي في شتّى مجالات الحياة، يتعايش أفراده في سلام مع نفسه ومع الآخرين؟ قاطعني صاحبي فورًا قائلاً: ذلك حقٌ مشروعٌ، وأملٌ منشودٌ لمجتمعنا، ولكن ما عنيتُ ذلك بتساؤلي، قلت: وما عنيتَ إذًا أيُّها الصديق؟ قال إنما أعني هل نحن مجتمع يقتات على الأحلام، يفطر رؤىً، ويتغدّى أحلامًا، ويتعشى مناماتٍ؟ قلت مستغربًا: وما الذي استثارك لتصل لهذا الاستنتاج الغريب؟ قال صديقي -ومسحة سخرية تعلو وجهه-: لا غرابة في الموضوع، ولا لبس فيه، ولكن انظر واستمع وشاهد إلى هذا الكم الهائل من زوايا وصفحات تفسير الأحلام والرؤى والمنامات في صحفنا اليومية الرصينة، واستمع كذلك إلى إذاعات الإف إم التي لا يخلو واحد منها من برنامج يومي مفتوح، وعلى الهواء مباشرة لتفسير الأحلام، وتحليل الرؤى والمنامات، قلت: ولكن يا صاحبي إن تفسير الأحلام له أصل في الشرع، أجابني صديقي على الفور أعرف ذلك، وأؤمن به ولتفسير الأحلام قواعد وأصول وشرعيون متخصصون، ولكن صديقي تابع بقوله -موضحًا- أن ما أتحدث عنه فقد خرج عن المألوف وتجاوز الحد، فقاطعته متسائلاً: وهل تلك الزوايا الصحفية والبرامج الإذاعية جماهيرية؟ رد صديقي بدهشة: بل وللعجب العجاب فهي تلقى رواجًا جماهيريًّا أكثر ممّا تتصوّر. قلتُ مندهشًا: وهل هناك متخصصون أكاديميون يجيبون عن استفسارات المتصلين؟ قال: وهذا مبلغ عجبي! فقد تحوّل أساتذة وشيوخ ودكاترة جامعيون فجأة من تخصصاتهم المختلفة إلى استشاريين ومتخصصين وعلماء في تفسير الأحلام والمنامات والرؤى، فقاطعتُ صديقي متعجبًا: وهل هناك جامعات وكليات ومؤسسات تعليم عالٍ متخصصة تعطي شهادات في ذلك؟ قال: إن الأمر مفتوح على الغارب. وكلٌّ أصبح بين ليلة وضحاها المستشار المتخصص، والعالم العلاّمة الجهبذ في تفسير الأحلام، أمّا جهة المواطن العادي فكل مَن رأى رؤيا حتى لو كانت أضغاث أحلام، فزع واتّصل بتلك البرامج، أو كتب لتلك الزوايا الصحفية، قلت: صدق مَن قال في المثل الشعبي (رزق الهبل على المجانين)، ردّ صديقي: وعسى ألا نضيّع أوقاتنا أحلامًا في أحلام، والعالم من حولنا سبر أغوار الزهرة والمريخ. تركني صديقي المشاكس، ولملم أغراضه، واستأذن وانصرف إلى شأنه، وتركني محتارًا في تفسير هذه الظاهرة وأسبابها، وأقول في نفسي أهو الفراغ لدى بعض الناس، أم ضعف الوازع الديني؟ وهل بعض وسائل الإعلام ساهمت في انتشار هذه الظاهرة لحاجةٍ في نفس يعقوب لترويج الإعلانات وزيادة المبيعات، ولعلها من إفرازات وظواهر صاحبت الطفرة الإعلامية إن أردنا تسميتها بذلك. قلت: سبحان الله! ازدادت وسائل الرفاهية، وازداد تبرم الناس من الحياة ومن تكاليفها، وتوسعت مجالات العيش وقلّ صبر الناس وتحمّلهم لظروف الحياة، وقسوتها أحيانًا، فسبحان القائل عز وجل: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ)، وكما يقول ابن البلد (هي الحياة كدة)، وربما احتجنا إلى مزيد من الدراسات الاجتماعية والنفسية والسلوكية لسبر أغوار مجتمعنا الذي مرّ بتحوّلات حضارية وفكرية واجتماعية لها انعكاساتها على سلوكيات الأفراد، وتشكّل سمات المجتمع وقسماته الواضحة شئنا أم أبينا. [email protected]