هل صحيح أن تنظيم القاعدة ضعف وجوده مع تلاحق الضربات الأمنية التي تلقاها؟ ولماذا يعاود الظهور بين الفينة والأخرى؟ وما حقيقة علاقته بإيران؟ وأنواع الدعم اللوجستي والمادي الذي يحصل عليه منها؟ وما هي أهداف إيران من إقامة تحالف بينها وبين القاعدة رغم اختلاف وتناقض بل وتشدد الأيديولوجية الإيرانية تجاه أيديولوجية القاعدة المتطرفة والمعادية في ظاهرها للتشيع؟ وهل المملكة على قائمة هذه الأهداف؟ وإذا كان هناك تحالف فعلاً فإلى أي مدى يمكن أن يستمر؟ وكيف يمكن الحيلولة دون هذا التحالف؟ رغم أن هناك تقارير عديدة تؤكد على خفوت القاعدة وضعف وجودها إلا أن د.ماجد المرسال -المدير العام للتوعية العلمية والفكرية في وزارة الشؤون الإسلامية- يشير إلى إمكانية ظهور القاعدة مجدداً واستغلالها لبعض الأحداث والتوترات كما حدث مؤخراً مع الفيلم المسيء للنبي عليه الصلاة والسلام والمظاهرات المصاحبة له، كما أنها يمكن أن تعتمد على إثارة العواطف والاستفادة منها؛ لذا أكد على أهمية استمرار عمليات التوجيه والإرشاد. وأكد المرسال-وهو أحد من شارك في حملة السكينة- أن الدعم الاستخباراتي من قبل قوى إقليمية ودولية لهذه المجموعات المتطرفة لم يعد محل شك بل أصبح ظاهراً للعيان. وقلل من تناقض الأيديولوجيتين السنية والشيعية وتأثيره على تحالفهما مبرراً ذلك بأن السياسة لا علاقة لها بالأيديولوجيات لأنها تقوم دائماً على المصالح، وإذا ما اتفقت المصالح يمكن أن يجتمع الشتيتان. ونفى أن تكون القاعدة منطلقة من أيديولوجية دينية وإنما انطلاقها من موقف سياسي وظفت فيه الدين. علاقات مركبة ويقول الدكتور محمد عبد السلام الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة إن كافة المؤشرات تؤكد بالفعل وجود علاقة وتنسيق متبادل بين تنظيم القاعدة وإيران، ومن المؤكد أن علاقات إيران والقاعدة علاقات مركبة ومزدوجة رغم اختلافهما الإيديولوجي والعقائدي إلا أنهما يشتركان في عدائهما للولايات المتحدة وهذا ما يمكن أن تبنى عليه مصالحهما.وأشار عبدالسلام إلى أن هنالك أدلة عديدة على شراكة إيران والقاعدة، وقد كشفت ذلك مئات الوثائق من قاعدة بيانات "هارموني" في (وست بوينت)، والوثائق الملغاة سريتها التي تم نشرها في الإعلام الأميركي، وتناولتها عدد من وسائل الإعلام العربية، حيث ذكرت أن إيران تمثل بوابة الخروج والدخول لتنظيم القاعدة من خلال امتدادها الجغرافي بين العراق وأفغانستانوباكستان والبحر العربي. ويضيف عبد السلام أنه بعد انهيار حكم طالبان عام (2001) فرت أغلب قيادات القاعدة وعوائلها ومن ضمنها أسامة بن لادن وأيمن الظواهري إلى باكستان، وبعضهم فضل الذهاب إلى إيران، وفي عام (2001) أرسلت الحكومة الإيرانية وفداً لأفغانستان لضمان السفر الآمن لقيادات القاعدة وعائلاتهم لإيران، بينما كانت القوات الأميركية منشغلة في "تورا بورا"، وعملت إيران على نقل العديد من مقاتلي القاعدة بينهم قيادات الخط الأول، والقيادات الوسطى من تنظيم القاعدة المركزي، وأسست القاعدة في إيران عام (2002) مجلس إدارة تنظيمها بتكليف من بن لادن لدعم التنظيم في أفغانستانوباكستان، ويشمل أعضاء المجلس البارزين عادل وسليمان أبو غيث وأبو الخير المصري وأبو محمد المصري وأبو حفص الموريتاني، وكان حرس الثورة الإيرانية الجهة المسئولة عن المجلس وعن عملية لم شمل عوائلهم. ويشير عبدالسلام إلى أن إيران استغلت ضعف القاعدة، ومطاردة الولاياتالمتحدة لها لتخضعها للمساومة والإقامة الجبرية لبعض قياداتها، وهذا ما جعل العلاقة بينهما علاقة شد وجذب كما تبين ذلك في مراسلات التنظيم التي كشفت عنها الإدارة الأمريكية في الذكرى الأولى لمقتل بن لادن في مارس/ 2012. العبور إلى العراق وفي هذا السياق يؤكد المحلل السياسي اليمني محمد الغابري ل(الرسالة) أن العلاقة بين دولة كإيران وتنظيم كالقاعدة هي علاقة بين دولة تسعى للسيطرة على المنطقة، ولديها رؤية سياسية استراتيجية واضحة ومحددة وبين مجموعات سرية مسلحة غير سياسية، ويشير الغابري أن طبيعة القاعدة تشكل بيئة ملائمة للاختراق من قبل أجهزة مخابرات لتحييدها تم تجنيدها. ويسوق الغابري معطيات تشير إلى تعاون إيراني- قاعدي؛ فقد شكلت إيران منطقة عبور لرموز القاعدة من أفغانستان إلى العراق ومنهم أبو مصعب الزرقاوي، وشكل نظام الأسد التابع الأهم لإيرانحلفاً مع منظمات القاعدة وساعدها في العبور إلى العراق. كما يكشف الغابري عن الخلفيات التي اكتنفت مقتل الرمز الشيعي في العراق محمد باقر الحكيم حيث كانت هناك ترشيحات لأن يكون مرجعاً عربياً للشيعة لكن إيران لا تريد مرجعية عربية؛ لذا فعندما اتهم بعض العراقيين إيران بقتله أعلنت القاعدة قيامها بالعملية، وحققت لإيران هدفين معاً: تعيين السيستاني الإيراني مرجعاً، وتبرئة إيران من دمه. ويضيف الغابري أن إيران استفادت من القاعدة في تأجيج الصراع الطائفي في العراق وقتل جراء ذلك الكثير من العرب السنة. كما لفت الغابري النظر إلى أن القاعدة لم تستهدف إيران ولا مصالحها، مما يدل من وجهة نظره على تحييد إيران لها، ووجود علاقات تعاون عميقة . وعن أوجه التعاون بين إيران والقاعدة في اليمن يذكر الغابري أن هناك اتفاقاً بينهما لتحييدها في الصراع مع الحوثيين من جهة، وتوجيه عملياتها بما يخدم أهداف إيران في اليمن. وقد تحدث السفير لأمريكي لأول مرة عن مخاوف بلاده من تواصل إيراني مع القاعدة في اليمن في مؤتمر صحفي نقلته وسائل الإعلام. وعن اختلاف الأيديولوجيتين ومساهمة ذلك في استمرار التحالف يؤكد الغابري أن القاعدة مجموعات مسلحة سطحية ومن السهل على إيران اختراقها وإيهامها بأن أمريكا والغرب هما العدوان الأولان، معززة ذلك بالشعارات التي ترفعها ضد الغرب، والدليل على سطحية القاعدة كما يرى الغابري أنها لا تنظر إلى التحالف الإيراني مع أمريكا لغزو العراق وأفغانستان، ويرى أنه هذا التحالف يمكن أن يستمر ما دامت القاعدة على هذا النحو من السطحية. تشويه السنة ويرى الدكتور حسن الشافعي مستشار شيخ الأزهر أن وجود علاقات بين إيران والقاعدة يعني أن إيران تسعى لتشويه المسلمين السنة على اعتبار أن الغرب يعتبر تنظيم القاعدة ينتمي للإسلام السني، كما أوضح الشافعي أن استمرار الدعم الإيراني للقاعدة يساهم في استمرار بقاء القاعدة مما يجعلها تمارس نشاطها المتطرف في كثير من أنحاء العالم ليستمر الربط بين الإسلام بشكل عام والسني بشكل خاص والإرهاب؛ وطالب مستشار شيخ الأزهر إيران بتبرئة نفسها من الوقوف في خندق واحد مع تنظيم القاعدة، وإلا فإن العالم السني عليه مواجهة تلك المحاولات الإيرانية المشبوهة لبقاء تنظيم متطرف سبب الشر في كل أنحاء العالم الإسلامي على قيد الحياة. ويضيف الشافعي أن إيران حرصت طوال على تشتيت الغرب وعدم إعطائه فرصة لضربه عسكرياً عن طريق المفاوضات الماراثونية حول ملفها النووي. مستغلة ذلك في محاولة التمدد الجغرافي خارج حدودها لإثبات نفسها كقوة إقليمية في المنطقة. الأمر الذي يعزز أنه لا تنوي الخير للإسلام والمسلمين. أما الدكتور محمد أبو غدير الخبير في الشئون الآسيوية والعربية فقد أكد على الخطر الإيراني، ودعمها للجماعات المتطرفة خاصة بعد أن دعا خطيب مسجد جامعة طهران في خطبته يوم الجمعة العرب إلى التوجه إلى سوريا والدفاع عن نظام بشار الأسد، منوهاً إلى أن إيران تجاهلت خلافها العقائدي مع القاعدة وقدمت لقياداتها الدعم اللوجستي من أجل تحقيق غاياتها في ضرب المسلمين السنة .وحذر أبو غدير من أن المخطط الإيراني مع القاعدة يستهدف في الأساس المملكة بوصفها الدولة الأكبر فى العالم الإسلامي اليوم، ولأن تهديد استقرارها يتيح لإيران السيطرة على المنطقة الإسلامية بأسرها.