سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ندعو الله دفع الغلاء عنا و بعض وزاراتنا تستجلبه لنا !! ما لا يمكن فهمه و لا القبول به هو أن نقوم بأنفسنا بزيادة الأسعار وغلائها أو التسبب في ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر
منذ أن وعيت على الدنيا و أنا أؤمّن على دعاء خطباء الجمعة وفي كل جمعة : اللهم ادفع عنا الغلا و البلا و الزنى و الزلازل و المحن ، وسوء الفتن ما ظهر منها و ما بطن .. ولكن في معاشنا نجد أن غلاء الأسعار -خصوصاً في السنوات الأخيرة- أصبح هو السائد و بوتيرة مستمرة ، وهو ما شكل رهقاً و عبئاً ثقيلاً على الناس في معيشتهم خصوصاً ذوي الدخول المحدودة و هم غالبية الناس .. و هو ما يعني في ظل ثبات الدخول افتقاراً و تراجعاً في مستويات معيشة هؤلاء الأغلبية .. في طعامهم و مساكنهم و مراكبهم.. قد نتفهم أسباب ارتفاع الأسعار التي تحدث بفعل قوى السوق ، قوى العرض و الطلب ، و قد نتكيف معها لأنها في الغالب تكون تدريجية و في النهاية ستعود إلى توازنها بتراجع أسبابها ، بمعنى ان ارتفاع السعر الناتج عن نقص المعروض عن المطلوب سرعان ما يعود للانخفاض عندما يتعادل المعروض مع المطلوب أو يزيد عنه .. أما ما لا يمكن فهمه و لا القبول به هو أن نقوم بأنفسنا بزيادة الأسعار وغلائها أو التسبب في ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. وهنا سأذكر أمثلة على ذلك من واقع قرارات بعض وزاراتنا التي تُسهم في الغلاء و تكرار موجاته بدلاً من كبحها ، و ذلك لما هو مباشر أو غير مباشر ؛ فأما مثالي لقرارات رفع الأسعار بشكل مباشر و استجلاب الغلاء فهو القرارالذي نفذته وزارة العمل غرة هذا الشهر والمتعلق برفع تكلفة العمالة الوافدة ، لأن رفع تكلفة العمالة الوافدة -وهي تشكل غالبية القوى العاملة- يعني بالضرورة رفع تكلفة المنتجات والخدمات التي تنتجها و تقدمها هذه العمالة وبالتالي رفع أسعار بيعها ، وباعتبار أن القرار شامل و ممتد إلى جميع العمالة فإنه سُيحدث موجة غلاء أسعار شاملة لامحالة. و الشاهد هنا أن هدف القرار و مصطلحاته تستخدم عبارة واضحة و هي رفع الأسعار بشكل مباشر من خلال اعتماد عبارة رفع التكلفة و تداولها و كأنها أمر محبب و إيجابي بينما هي العكس تماماً ، و البشر في كل مكان و في كل الثقافات يسعون إلى خفضها بكل ما يستطيعون من أجل رفاه الإنسان و عيشه الكريم ، فمالكم -يا قومي- كيف تحكمون ؟! و المؤسف و المؤلم أيضاً أنه لن تكون هناك آثار إيجابية لهذا القرار في مكافحة بطالة المواطنين و لا في مكافحة ظاهرة التستر ، بل على العكس فإنني أعتقد أنه سوف يفاقمهما. وكان الأولى أن تركز وزارة العمل جهودها و دراستها على كيفية تأهيل شبابنا العاطلين لشغل الوظائف ذات الرواتب المرتفعة نسبياً بدلاً من الاكتفاء برفع الحد الأدنى للوظائف متدنية الرواتب الذي هو الآخر من أمثلة قرارات استجلاب غلاء الأسعار ، فكل زيادة معلنة و شاملة للرواتب تتبعها موجة غلاء ، وهو أمر معلوم و مستقر لدى أهل الاختصاص ، وبالتالي ستفقد الزيادة فائدتها بعد فترة وجيزة من اعتمادها ، والحد الأدنى الذي أُقر لموظفي الدولة قبل سنتين تقريباً و مؤخراً في القطاع الخاص وهو 3000 ريال سرعان ما سيصبح غير كاف لتكاليف المعيشة لنعود مرة أخرى لرفعه و هكذا في دوائر مغلقة من صنعنا و تدخلنا المضر في قوى السوق. و أما الأثر غير المباشر فمثاله مثال من النوع الذي يُسمى 2 في 1 وهو ما قامت به وزارة الإسكان من بيع فلل حي الإسكان في مكةالمكرمة بالمزاد العلني في ظل موجات متتالية من ارتفاع أسعار العقارات في مكة شرّفها الله. ومن يعش في مكة يعلم كيف تعرضت أسعار العقار فيها خلال السنوات الأخيرة لعدة موجات من الغلاء ، إلى درجة أودت بأحلام غالبية الأهالي في تملك مساكنهم ، ويرى كيف أضحت مكة سوقاً لمضاربي العقار من أنحاء المملكة ، بسبب نزع ملكية عشرات الآلاف من العقارات و هدمها من أجل مشروع توسعة المسجد الحرام و مشاريع الطرق الدائرية ومحطة القطار وغيرها. فنزع الملكيات أدى إلى نقص المعروض في وحدات الإسكان ، و صرف التعويضات أدى إلى وفرة في السيولة المالية و كلاهما من أسباب و محفزات ارتفاع الأسعار ، و هذا يفرض على الجهات المعنية اتخاذ تدابير مضادة تعمل على كبح الأسعار. ولكن للأسف نجد أنه عندما سنحت فرصة و أُتيحت آلية للمساهمة في كبح الأسعار اختارت وزارة الإسكان أن لا تستخدمها ، وعلى العكس استخدمت آلية لزيادتها ، عندما أصرّت على بيع أكثر من 1200 فيلا في مشروع الإسكان بنظام المزاد العلني بدلاً من توزيعها -كما جرى في الدفعة الأولى- على مستحقي قروض صندوق التنمية العقارية وفقاً لأولويات عادلة وهو ما كان سيسهم في كبح الأسعار. ولم تستمع وزارة الإسكان للنداءات و المطالبات المتكررة لوقف المزاد ، ولم تلتفت للعديد من الأفكار البديلة التي قدمها عدد من المهتمين ، و تمسّكت بالمزاد استناداً لحجج عندها ، أبرزها أن إيراد الفيلا الواحدة من البيع بالمزاد سوف يكفي لاعتماد ثلاثة قروض ، و ذلك باعتبار أن الفيلا ستُباع في المتوسط بمليون و خمسمائة ألف ريال و القرض خمسمائة ألف ريال ، و تناست عمداً أن امتلاك الأرض لغالبية المتقدمين للصندوق أصبح في خبر كان وغير ممكن بسبب ارتفاع أسعارها.. وهنا اختم بالإلحاح على الله بالدعاء بأن يدفع الله عنا الغلاء .. و أن يلهم كل من يستجلبه لنا الصواب أو يدفعه و يكفيناه بما يشاء. [email protected]