فكرة انقراض العظماء والكبار تراودني من حين لآخر، وبخاصة فيما يتعلق بالأدباء والمفكرين، ومنذ فترة كنت أتحدث مع عدد من الزملاء والأصدقاء عن جيل من الأساتذة يمتلكون زمام الكلمة، ويحسنون التحدث بطريقة لا تكاد تجدها عند سواهم، وهؤلاء يمثلهم طائفة من أساتذة الجامعات المصرية الذين تولى بعضهم العمل بجامعاتنا في أواخر القرن الهجري الماضي، وتعرفنا على آخرين منهم في المؤتمرات والمحافل الفكرية، وقد كان لعدد منهم شخصياتهم في الأداء اللغوي، وأساليب التأثير، وطريقة بناء الكلام حتى أن بعضهم قد يتحدث بعبارة أو مجموعة من العبارات الطويلة، ثم يأتي بحرف العطف على كلام سابق بعيد فلا يلحن، ومنهم من تجد له تراكيب وألفاظ يستخدمها لا توجد عند سواه على ذلك النحو، ولا أزال أذكر كيف كان هؤلاء الصناديد العباقرة يتحاورون ويتناقشون في قضايا علمية، أو فكرية لا ينظر أحدهم في ورقة ولا يقرأ من كتاب ولا يطيل التوقف بين العبارات، وإنما يأتي كلامه مدرارًا في موضوعه، وكأنه نسيج واحد في بنائه وبلاغته وطريقة أدائه، وقد كان ممّا دار في حوار أصدقائي معي أن تلك العناصر من البشر لم تعد اليوم موجودة، وقد كاد الزملاء يجمعون على أن تلك النوعية من أصحاب الملكات والقدرات أصبحت نادرة اليوم، غير أنه وخلال فعاليات سوق عكاظ ولقائي مع عدد من الأدباء والمفكرين في الوطن العربي وجدت بعض هذه الكائنات في مواقع متفرقة من البلدان العربية، فأخبرت الإخوة الزملاء بذلك، وذكرت لهم نماذج فعرفوا بعضها وأنكروا بعضًا منها، حتى إذا تيسر لسوق عكاظ أن يستضيف أ.د. أحمد درويش، وأ.د. صلاح فضل، وأ.د محمد زكريا عناني عاد الإخوة الزملاء يناقشوني من جديد في الأدباء الكبار وعظماء النقاد، والمميزون من أساتذة الجامعات المصرية خاصة، وهو موضوع جدد الحديث فيه بعضهم قبل أيام عندما استمع إلى كلام المستشار أحمد الزند في نادي القضاة بمصر وطريقته وأسلوبه في الكلام؛ ليقول لي ذلك الصديق إن علينا أن نطمئن إلى أن المفوّهين والقادرين على السيطرة على اللغة، والإمساك بزمام الكلمة، والمؤثرين على الجماهير بالبلاغة والفصاحة، هؤلاء لا تزال منهم بقية باقية قلت له: ومن غير هذا وهذا؟ زدني، قال: أنظرني طويلاً لأتذكر.