الحياة خضم هائل عظيم حافل بالمتناقضات، والمنغّصات التي تجعل الإنسان يعيش في هذا الخضم قلقا مضطربًا، يواجه المتاعب والكوارث والعداء، ويلج أبواب الشرّ تارة.. وأبواب الخير تارة غير خالٍ من عدوّ يترصّد له، أو خصم يحقد عليه.. وكلّ هذه الأحوال يتشابه فيها معظم الناس. وقد لا تخلو منها حياة امرئ. لكن العدوّ مهما بلغ من عدوّه، ومهما أنزل به من أذى لا يمكنه أن ينال قدر ما يناله الشخص الأحمق الجاهل من نفسه بما ينزل عليها من أذى يعجز عن مثله العدوّ. فالشخص الأحمق الجاهل يدمّر حياته وينغّص عيشه ويورد نفسه موارد الهلاك بنفسه، وذلك لأنه لا يفقه الحياة، ولا يميّز بين صالح وطالح، وخير وشرّ، ونافع وضار!!!. فيوّرط نفسه في مهالك ومعاطب لا يحسب لها حسابها. فجهله غشي على بصره وبصيرته، وحمقه جعل حياته ظلمات متراكمة فوق بعضها البعض، لا يرى معها طريقًا، ولا يبصر بصيصًا من نور. ينهض من عثرة فيقع في أخرى أشدّ سوءًا منها وأشدّ ضررًا وإيذاءً. وكلّ ذلك.. وحمقه وجهله ما يزال يسوقه دون أن تردعه العبر أو تجدي معه العظات.. فكره العاجز، وضيق أفقه، وعقله الكليل لا يحسن شيئًا سوى إيراده موارد الهلاك وإسقاطه في العثرات والحفر. وصدق الشاعر حين قال: لا يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه وصدق الآخر حين قال: لكلّ داء دواء يستطبّ به إلاّ الحماقة أعيت من يداويها فالأحمق الجاهل مريض يصعب شفاؤه، ويعزّ دواؤه.. ويعجز معه الطبيب والراقي.. وتفشل معه المصول والأشربة. والعناء معه يذهب عبثًا، والنصح لا يجدي فهو لا يسمع ولا يعقل. فجهله يعميه عن رؤية الحقّ واتباعه. والجهل هنا لا نقصد به ضدّ العلم، فلا دخل لعلم وثقافة في هذا. فكم من مثقف متعلّم كان أحمق لا يرى عاقبة الأمور ولا يرى الحقّ ولا يتبعه.. وكم من أميّ أو قليل الحظ في التعليم كان حكيما رزينا. إنّ الجاهل الأحمق كما وصفه ابن المقّفع: (إن جاورك أنصبك. وإن ناسبك جنى عليك، وإن ألِفك حمل عليك ما لا تطيق. فأنت بالهرب منه أحقّ منك بالهرب من سمّ الأساود والحريق المخوف). وقد قال تعالى في وصف حالة من هم كذلك: (فَإنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِى الصُّدُورِ).. فإن ابتليت بمعاشرة شخص كهذا فاعلم أنك في أشدّ المحن وأعظم النكبات. [email protected] [email protected]