من المصنَّفات العلميَّة التي صدرت مؤخراً حول سيرة داعية الجنوب الشيخ عبدالله بن محمد القرعاوي - رحمه الله - الكتاب الذي صنَّفه الأستاذ بندر بن فهد الايداء ، وأسماه " المسيرة لداعية جنوب الجزيرة الإمام عبدالله بن محمد القرعاوي ". أبرز ما يُقال عنه : إنَّه مصنَّف نفيس حوى ما لم يُنشر عنه ممَّا هو لا يزال مخطوطاً ، لم ير النُّور بعد ، وعرض فيه مؤلِّفه حياة الشِّيخ وقصَّته مع الدَّعوة معتمداً على المنهج "التَّاريخي" بدءاً بمولده في عنيزة سنة 1315ه وهي السَّنة التي تُوفي فيها والده ليعيش يتيماً ، وتولَّت والدته أمر العناية به ، وتربيته ، وإلحاقه بحلقة الشيخ عبدالله بن دامغ لتحفيظ القرآن الكريم في عنيزة ، لِيُتمَّ حفظ القرآن الكريم وعمره لا يتجاوز الثالثة عشرة ، وكانت والدته " مدرسة كبرى" بالنسبة له ، لأنها كانت حافظة للقرآن ، تختم في الشهر مرَّتين : ولَم أَرَ للخَلَائِقِ من مَحَلٍّ يُهَذِّبُها كَحِضْنِ الأُمَّهَاتِ فَحِضْنُ الأمِّ مَدْرَسَةُ تَسَامَتْ بِتَرْبِيَةِ البَنِينِ أو البَنَاتِ مروراً برحلاته في طلب العلم الشَّرعي التي قطع من أجلها المفاوز والقفار ، وهجر التَّنعُّم في الدَّمن والأوطار ، قاده إلى ذلك همَّته العالية التي تتقاصر دونها الهمم : ومَنْ تَكُنِ العَليَاءُ هِمَّةُ نَفسِهِ فَكُلُّ الذي يَلْقَاهُ فيها مُحَبَّبُ لقد بدأت رحلته إلى الجنوب في شهر صفر سنة 1358ه ، بعد أن ودَّع أستاذه الشِّيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - ، فكان مجيئه كالغيث الهاطل في اليوم القائظ على الأرض الجدباء ، فأنبتت العشب ، وآتت ثمارها يانعة ، فقد فتح الله على يديه أبواباً للعلم لم تكن تخطر على بال ، ورأى هو من طلاب العلم النُّجباء ، وأصحاب القيم الرفيعة ، والهمم العالية ، والعزائم الماضية ما لا يخطر ببال ، فأسس المدارس السَّلفية ، في الجنوب في كل قرية ومدينة حتى بلغت ما يزيد على ألفي مدرسة ، فأحدث نهضة علمية في الجنوب يعجز عنها الوصف ، ويتقاصر دونها النَّثر : يَا ظِلَّ أَجْنِحَةِ المَلَائِكِ، هَا هُنَا شَيْخٌ تَألَّقَ فِي العُلُومِ وأَحْسَنَا مَنَحَتْهُ "صَامِطَةُ" المحبَّةَ والرِّضا فَبَنَى لها صَرح الوَفاءِ، ومكَّنَا فَرِحَتْ به جَازَانُ فرْحَةَ مَنْ رأى في اللَّيْلَةِ الظَّلماءِ بارِقَةَ السَّنا بالعِلْمِ أقبلَ كالرَّبيعِ إذا أتى بالخِصْبِ حتَّى طابَ في الرَّوض الجَنَى لو صَوَّرَتْ جازانُ قَرعاويَّها لَرَأيْتَ أحسنَ ما تَراه وأَيْمَنَا رَجُلٌ بَنَى لِلْعِلْمِ صَرْحاً شامِخَاً لله صَرْحُ المكْرُماتِ ومَنْ بَنَى لقد كان الشيخ القرعاوي مدرسةً كبرى في الهمم العالية ، والأخلاق الفاضلة، واللطافة في القول ، وتحمُّل تبعات الدَّعوة ، والصَّبر على المكاره ، والتعالي على الشَّانئين : ولَمْ أَرَ أَمْثَالَ الرَّجَال تَفَاوَتَتْ إِلى الفَضْلِ حتَّى عُدَّ أَلْفٌ بِوَاحِدِ إضاءة : نستلهم من عظمة المجددين الكبار قدرتهم على تربية جيل بأكمله ، وزرع المحبة في قلوب الناس بكل بساطة ورحابة .