يقع لكلٍّ منا من الخطرات القصيرة ما يستحق التدوين والنظر والتأمل، ولكننا نكتفي بحفظها في الذاكرة، وقليل منا من يدوّن، ولذا لا تلبث خطراتنا وآراؤنا العابرة أن تذهب نسيًا منسيًا، فليتها تدون، ففي تدوينها فائدة، فأقوالنا جزء منا، وبعضها حقائق وآراء في العلم واللغة والحياة، وكنت منذ زمن أدون خطراتي، وبعضها قد يأتي قبيل النوم، كطيف عابر، ومن عادتي أن يكون بجواري ورقة وقلم فأدون ما يأتي به صيد الخاطر، وأختزله في فقرات مركزة، ولكنّ كثيرًا مما دونته ضاع للأسف، لتدوينه في وريقات غير منظمة، ومثل هذا يقع لأغلب الناس والكُتّاب، فأصبحنا نستعيض عن مدوناتنا الورقية بمواقع التواصل الاجتماعي، وندون ما يعنّ لنا، ولكنه أيضا يضيع في العالم الافتراضي، فلا أحسنَ من تدوينه في الصحف السيارة فهو أدعى لبقائه وخلوده. ومما عنّ لي في أوقات متفرقة مما يتصل بلغتنا ولهجاتها فدونته في شذرات قصيرة متفرقة ما يلي: 1- الأجدادُ والجدّات معاجمُ متحركةٌ بين أيدينا، فلنستثمرْها قبلَ أن يطويَها الزمان. 2- اللغة كالمجرة تتوسع، ويصعب أن يحيطَ بها أحدٌ أو يصلَ إلى منتهاها. 3- الألفاظ كالناس.. لها تاريخ وسير ذاتية.. ف(طول اليد) كان قديما وصفا للسخاء والكرم، وأصبح اليوم يعبر عن السرقة، أو البطش. 4- المعاجم العربية القديمة كاللسان والتاج غابة تعج بالمخلوقات الحية.. لكن فيها مخلوقات ميتة كثيرة وهي الألفاظ المهجورة.. وقد تدبُ فيها الحياةُ يوما. 5- من الألفاظ المولدة ما هو أحلى وأجمل من بعض الكلمات الجاهلية، ودليل ذلك كلمة (يدمح الزلة) أي يسامح، فهذه كلمة شريفة بلا ريب حتى لو كانت مولدة. 6- في لهجاتنا المعاصرة أدعو لدراسة الألفاظ ودلالتها.. ولا أدعو قط لدراسة التراكيب النحوية، لأن النحو في لهجاتنا المعاصرة يغلبُ عليه الفساد. 7- لغتنا في حاجة ماسة لحركة معجمية تستثمر مخزون اللهجات المعاصرة، وترصد ما طرأ من دلالات جديدة على الألفاظ القديمة. 8- ليس أمام الألفاظ والدلالة حدود زمانية، ففي كل زمان ومكان ستستجد ألفاظ وتنشأ دلالات، وهذا ما نراه في لهجاتنا المعاصرة. 9- من المؤكد أننا سنجد كثيرا من فوائت المعاجم القديمة مختبئا متنكرا في لهجاتنا، لا يعرفه إلا لغويّ حصيف. 10- اللهجات المعاصرة لم تدرس بعد، وهي كنز لغوي عظيم، ويمكن أن يكتب فيها عدد كبير من الرسائل العلمية، ومن ألفاظِها يمكن استخراجُ معجمٍ كبير. 11- من يُصدّر كلامه لك بعبارة (مع احترامي لك) فاعلم أنه سيأتي بما تستاء منه ويغمك، فإيحاءات اللغة غريبة عجيبة، ومن هذا عبارة ( أنت رجل طيب أو فيك طيبة) لا أحد يريد أن يسمعها لأن لها إيحاءات سلبية خفية. 12- إن لبعض الكلمات قيمة أثرية قد تساعد في الكشف عن أحوال العرب الغابرين وتفهّم شؤون حياتهم وهي لا تقل في قيمتها العلمية عن القطع الأثرية التاريخية. تويتر: @sa2626sa [email protected]