تتواصل جولتنا داخل جزيرة فرسان ومحمياتها الطبيعية، وقد عرضنا في الجزء الأول من جولتنا المخاطر التي تتعرض لها الحياة الطبيعية والفطرية في الجزيرة، نتيجة الصيد الجائر وبعض الانتهاكات في هذا الإطار، وهو ما يواصل تأكيده في هذا الجزء عدد من المهتمين بالمحميات في الجزيرة، حيث يرى الأديب والمؤرخ الفرساني ابراهيم مفتاح أن الوضع في جزيرة فرسان مقلق للغاية، فخمس سنوات كافية للقضاء على الغزال الفرساني بعد الصيد الجائر الذي لا يزال يتعرض له سواء من المواطنين او السائحين او المسؤولين. ويحكي قائلا: عاصرت الفترة التي كان فيها الغزال في فرسان وقراها ينام عند أطراف القرية من كثرتها، وكنا نذهب في بعض الايام إلى القصار عندما أذهب لإحضار الماء أجد غزالين أو ثلاثة تحت النخلة، وفي نفس الوقت هذا المكان الذي نحن فيه كنا نسمية المسلاع وهو المكان الذي يوجد فيه شجر السلع، وكان الغزال ينام فيه، ومن الأشياء المألوفة التي كانت تشاهد في أي طريق إلى القصار أو المحرق أو إلى القرى البعيدة في ذلك الزمن، قطعان الغزلان التي تمشي، وكان هناك أشخاص لديهم بندقية الكبسون وكانوا يصنعون الفتيل أو الرصاصة يدويا ولا يستطيع أن يصيد غزالا إلا الصياد الماهر لأنه لا يحتوي إلا على حبة واحدة فقط، فأنا أذكر أن عمي كان يخرج في الصباح بالبعير يختبئ خلف قوائمه الخلفية وما تشرق الشمس إلا ومعه 2 أو 3 من الغزلان يذهب بها إلى البيت، بعد مرحلة بندقية الكبسون جاءت مرحلة الكشاف ومنها كشافات أمريكية اسمها «إيفري دي» وكان الشباب يخرجون في الليالي المظلمة ويعودون بالعديد من الغزلان، وكل هذا لم يؤثر على الغزال، بعد ذلك جاءت مرحلة الشوزن وهي سهلة في الصيد، لأنه في المعبر الواحد أكثر من 100 رصاصة، ومن مرحلة الشوزن بدأت مرحلة الدراجات النارية وبدأ الشباب يطاردون الغزال، كان نوعا من التسلية ثم جاءت الكارثة الكبرى وهي السيارات ولا أخجل أن أقول إن هناك من منسوبي الدولة يأخذون سيارات الدولة ومن باب التسلية والعبث كانوا يصيدون الغزلان، بدأ الغزال يتناقص في الوقت الحاضر، وهناك أكثر من عامل أدى إلى تناقص الغزال وجود السيارات ثم وجود البطاريات ذات الفولت العالي والتي تستخدم لتسليطها على الغزال ثم الشوزن لا يزال يستخدم ثم الشباك الدائرية التي تحوي رصاصا كانت تلقى على الغزال وإذا وضعت على الغزال لا يستطيع الحركة فيتم الإمساك به أيضا. ويضيف مفتاح أنه من المعروف أن محيط سواحل فرسان 280 كيلو، ومن الصعب تغطيتها، وفرسان كلها موانئ أي فلوكة وأي قارب ممكن يرسو علي أي شاطئ ويأخذ الغزال ويسافر وذلك بالاتفاق مع الصياد وهذا أدى إلى تناقص كبير في عدد الغزال، وإذا استمر الوضع بهذه الطريقة لن ترى غزالا في فرسان بعد 5 سنوات على الأكثر، مع أن الغزال كان موجودا في فرسان، والسقيف وجزيرة قماح وفي جبل منظر، وكان موجودا في جزيرة زفاف الآن هذه الأماكن أصبحت خالية تماما من الغزلان، وباقي في وادي مطر المنطقة القريبة من الجوالين وأنا تصلني أخبار بأنهم يجدون بشكل يومي غزلانا ميتة تضرب بالرصاص ولا تموت في نفس الوقت تركض حتى تغيب عن الصياد ثم تموت. ومن جانبه أوضح رئيس الجوالين بالهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وانمائها في محمية فرسان عبدالله عسيري أن عدد الجوالين يعتبر قليلا بالنسبة للمساحة الشاسعة للمحمية، ونحن نقوم بتقسيم العمل بين مجموعتين ويتم توزيع العمل بينهم من خلال الدوريات في مركز صير والمنطقة الشمالية والمنطقة الجنوبية ومندوب مع اللجنة الامنية التي تعمل في العبارة، اما الدوريات الراجلة فهي اجتهادات من عندنا وحققت نجاحا في متابعة بعض الصيادين. وعن التعامل مع الاشخاص الذين نجدهم بداخل المحمية قال عسيري: من المخالفات الدخول للمحمية تسللا بدون إذن، فمن الممكن أن يكون مخالفا أو صيادا أو يحمل سلاحا أو يحاول الصيد بسيارته، وطبعا في المحمية يعد الصيد هو أكبر المخالفات.. فمحمية فرسان مفتوحة، لا يوجد عليها سياج ولا عقوم، فيها مصالح للمواطنين ومزارع، وفيها بحر لصيد السمك او للنزهة، لذلك لا بد أن يكون هناك تقدير لبعض الحالات والمخالفين معروفون ومثلما قال المثل (الطيب على جبينه علامة)، لذلك الشخص الموجود في الدورية يقيم الموقف، فمثلا الشخص الذي معه عائلة نراقب حتى يعرف إنك موجود ويحاول يطلع، والآن السياحة في فرسان انفتحت بشكل واسع، وصار يأتي سياح بأعداد كبيرة ومنهم من يأتي للنزهة ومنهم من يأتي له أهداف في الصيد، وهناك شباب في فرسان يتعاونون معهم، حيث يتم اغراؤهم بالمال، فنحن من يوم الثلاثاء من كل أسبوع تبدأ عندنا الحركة، حيث يأتي الضيوف من يوم الاربعاء او يوم الخميس وتكون لهم رغبة في اقتناء الغزال، فهذه من الامور التي نعاني منها هنا في المحمية. وعن تناقص الغزال قال: له عدة اسباب ومنها قلة الامطار وتصحر الاراضي والتطور العمراني، وهذه الامور ساهمت بنقص الغزال وكثرة السياح، حيث احتفل قبل عدة اشهر بوصول «الراكب المليون» في العبارات الجديدة بالاضافة الى استهتار بعض الشباب وتواطؤهم مع بعض السياح الذين يأتون الى فرسان بقصد الصيد. محمية جزر فرسان تقع محمية جزر فرسان في القسم الجنوبي الشّرقي للبحر الأحمر، وتبعد حوالي 42 كيلو مترًا عن ساحل مدينة جيزان؛ وتبلغ مساحة المحميّة حوالي 600 كيلو متر مربع وتضمّ مجموعة جزر فرسان 84 أكثر من جزيرة أكبرها جزيرة فرسان الكبير والسّقيد (فرسان الصغرى) وقماح وهي الجزر الآهلة بالسّكان الّذين يعمل غالبيّتهم في صيد الأسماك وزراعة الدّخن والذّرة. وتتألّف جزر فرسان من مسطّحات من الأحجار الجيريّة الشّعابيّة, يتراوح متوسّط ارتفاعها عن سطح البحر بين 10 و20 مترًا وقد يصل إلى 40 مترًا، أما أقصى ارتفاع فهو 75 مترًا حيث تسمى هذه المرتفعات محلّيا بالجبال، وهناك عدد من الأودية القصيرة التّي تنتهي إلى البحر، أما السّواحل فمغطاة برمال كلسيّة بيضاء نتجت عن تحطّم الشّعاب المرجانيّة والأصداف البحريّة. ومن أهم أنواع الأشجار فيها السمر والبلسم والسّدر والأراك إلى جانب أشجار الشورة والقندل التّي تكون أيكات ساحليّة كثيفة، كما انتشرت فيها مؤخرا أشجار المسكيت أو البروسوباس الدخيل، ويميز المحميّة وجود ظبي «غزال» الإدمي الفرساني المتوطّن في بعض جزر فرسان؛ بالإضافة إلى النّمس أبيض الذّنب وعدد من القوارض، أما الطّيور فتمتاز بتنوّعها ووفرتها خاصّة الطّيور المائية والشّاطئيّة والمهاجرة ومن أهمها العقاب النّساري والبجع الرّمادي والنّورس القاتم ومالك الحزين وصقر الغروب وأنواع من القماري، وكذلك توجد بعض العظايا والثّعابين. وأنشئت المحمية بغرض المحافظة على التنوع الاحيائي الفريد في الجزيرة، وخاصة ظباء فرسان والسلاحف البحرية وعروس البحر والطيور البحرية والشعاب المرجانية وأيكات الشورة. وأظهرت المسوحات الجوية الحديثة التي تمت على محمية جزر فرسان أن أعداد الغزال الفرساني في جزيرة فرسان الكبرى فقط حوالي 1200 غزال.