صباح اليوم (السبت: 6/ 10/ 2012م) أكتشفُ أن جدة يمكن أن تكون كئيبة... أن تبدو عابسة ويائسة مثل عدد من مدننا وقرانا... أن تتحول من مدينة ثرثارة وفرحة على ساحل البحر، إلى مدينة صامتة وحزينة ومتربة على أطراف الصحراء. هل جدة تشيح ببصرها الآن عن البحار وما وراء البحار؟ هل تنظر إلى الاتجاه المعاكس: إلى الجبال وما وراء الجبال؟ جدة التي غرقت في السيول... جدة المهملة والمتعبة والحزينة برغم كل الفرح الذي تبديه لساكنيها وزائريها... جدة الممددة على السرير الطبي في غرفة العناية المركزة منذ سنوات... جدة التي يُشرّح جسدها: هنا يُستأصل ورمٌ، وهنا تُزرع كليةٌ، وهنا عملية شدٍّ، وهنالك أكثر من عملية تجميل وترقيع وبتر... جدة الحائرة بين الحياة والموت، تلك التي تستسلم لأقدارها بين أيدي مجموعة من الجراحين، الذين لا نعرف مدى مهارتهم... لا نعرف ما هي نواياهم الحقيقية: هل يريدون لها حياة كريمة أم موتًا رحيمًا؟ مع ذلك فهي جدة الحالمة على الدوام. تفتح مقاهيها وتثرثر إلى ساعات الصباح الأولى. تمدد ساقيها في البحر، وتلهو بالماء كثيرًا... ولكنك لا تعرف هل ذلك نوع من الفرح، أم ضرب من التنفيس والهروب من المشكلات والأحزان؟ اليوم يُقال لها: اجلسي في البيت... لا داعي لخروجك المتكرر، وأفراحك المصطنعة. انظري إلى الصحراء، ولا تنظري إلى البحر. اليوم يُقال لها: أنت مريضة، ومكانك على السرير الطبي... أنت في أرذل العمر، وعليك أن تطلبي حسن الختام. صباح اليوم كانت جدة واجمة وحزينة. كأنها صدقتهم بالفعل. ربما لا... ربما هي لا زالت ماكرة كعادتها... تحتال على مطارديها. تختبئ عن عيونهم مؤقتًا، ريثما ينشغلون عنها بما هو أهم، لتعاود الرقص والفرح من جديد... قد يكون فرحًا حزينًا... ربما كانت ابتسامتها غامضة كابتسامة الموناليزا. قد يكون رقصها من شدة الألم لا البهجة... ولكنه فرح ورقص على أي حال. ---------- [email protected]