كنت ولا أزال أستغرب قبول بعض العرب بعض الشخصيات الأمريكية الذين تطلق عليهم الولاياتالمتحدة اعتباطاً مُسمَّى (مبعوثي السلام) للشرق الأوسط. وإذا كانت السلطة الوطنية الفلسطينية عاجزة عن المعارضة لأنها غالبا تقبل كل ما تأتي به الرياح القادمة عبر الأطلسي، فإن قبول مصر في العهد البائد كان مثيرا جدا للجدل، ذلك أن معظم هؤلاء (المبعوثين) خاصة في عهد الإدارة الأمريكية السابقة لم يتمتعوا أبدا بمصداقية أو يلتزموا بحياد، مع أن تلك الصفتين أساسيتين لإنجاح أي وساطة فضلا عن مشروع سلام حتى لو كان ناقصا ظالما. ولعل دينيس روس يمثل عينة واضحة فاضحة لتلك الاختيارات السابقة السيئة، إذ بعد تسلم محمد مرسي لمقاليد الرئاسة وعزله للفريق طنطاوي وشلة العسكر، كتب دينيس روس مقالا في الواشنطن بوست بتاريخ 19 أغسطس يقطر سما زعافا يتسم بالتعالي والصلف، ومليء بالمغالطات والاتهامات، التي لا تخدم إلا الكيان الصهيوني الغاصب واليمين الأمريكي المتطرف. يقول روس: (ينبغي على مرسي والإخوان أن يعلموا ذلك، كما يتوجب على الشعب المصري ورئيسه أن يعلموا أيضاً أن الولاياتالمتحدة مستعدة لحشد المجتمع الدولي والمؤسسات المالية العالمية من أجل مساعدة مصر، لكنها لن تفعل ذلك إلا إذا كانت الحكومة المصرية مستعدة للعب حسب مجموعة من القواعد المستندة إلى الواقع والمبادئ الأساسية. عليهم أن يحترموا حقوق الأقليات والنساء، بل يجب عليهم تقبل التعددية السياسية وإفساح المجال أمام المنافسة السياسية المفتوحة فضلاً عن احترام التزاماتهم الدولية، بما في ذلك شروط معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل). معاهدة السلام هي بيت القصيد، والتلويح هنا بعصا عدم الالتزام بها مقابل جزرة المعونات التي لا تعني إلاّ الانصياع لما تتخيله إسرائيل سلاما ويراه العرب سرابا. وحتما لن تقبل مصر (ومن حولها) مبعوثا من هذه الشاكلة بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر، بل إن الالتزام كما تراه مصر على لسان رئيسها الجديد مختلف كثيرا عما تراه إسرائيل، إذ على إسرائيل والولاياتالمتحدة التزامات لم توفيا بأي منها رغم مرور أكثر من 33 سنة على الاتفاقية. [email protected]