الحب أيها الصديق لا مثنوية فيه، ولا يحتاج إلى إفراط في الاعتدال، نبض القلب، وشوق الروح، فلم الاستدراك إذًا؟ "أحبك ولكن أختلف معك!" وهل يوجد اثنان إلا وبينهما اختلاف ما؟ هل لحظة التعبير عن الحب هي أفضل وقت للحديث عن الاختلاف؟ وربما لو لم تكن مختلفًا معي ما أحببتني ولا أحببتك، فالمرء يبحث عن شيء مختلف بعدما أحب نفسه التي هي هو! هل سمعت بالشاعر "المثقب العبدي" الذي يقول: فَإِمّا أَن تَكونَ أَخي بِحَقٍّ فَأَعرِف مِنكَ غَثّي مِن سَميني وَإِلّا فَاطَّرِحني وَاتَّخِذني عَدُوًّا أَتَّقيكَ وَتَتَّقيني فإني إنْ تخالفني شمالي بشيءٍ ما وصلتُ بها يميني إذًا لقطعتها ولقلتُ بيني كذلك أجتوي من يجتويني! أتراه صادقًا؟ كلا؛ فالإخاء الحق ليس موافقة تامة، ولا ذوبانًا، ولا تبعية، وقد يخالفك أحب الناس إليك ويظل الحب قائمًا رغم الخلاف، وليس البديل عن الحب هو العداء والحرب، وربما مرّت بالحب عاصفة عابرة كدَّرت الصفو ثم هدأت وعادت دماء الحب تجري في العروق! ألا تعلم أن لغة الصفح والتسامح تعني القوة والسيطرة على المشاعر السلبية، أن تملك نفسك عند الغضب (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) (الشورى: من الآية37)! -"أحبك ولكن احتفظ بكرامتي وكبريائي وعزة نفسي". كلا أيها الصديق، فالحب لا يجيد هذه الحسابات، ولا يعد التواضع للحبيب ذلًا أو مهانة.. هَنيئًا مَريئًا غَيرَ داءٍ مُخامِرٍ لِعَزَّةَ مِن أَعراضِنا ما اِستَحَلَّتِ -"أحبك بصمت ولا أستطيع البوح". ليس هذا بمقدورك، فالحب الصادق تبوح به العيون والملامح والقسمات إن لم تعبر عنه الحروف والكلمات، والبوح هو الماء الزلال الذي يروي شجرة الحب ويبعد عنها شبح الجفاف والتَّيبُّس! وَتَلَفَّتَتْ عَينِيْ فَمُذْ خَفِيَتْ عَنِّيْ الطُّلُولُ تَلَفَّتَ القَلبُ -"أحبك ولكن العتب يطرى على بالي!" لك العتبى حتى ترضى، والعتب العابر حياة للحب، ما لم يتحول إلى ملامة دائمة توحي بانفكاك رباط الوصل! -"أحبك ولكن جرحك غائر في ضميري" لله قلبك الطيب الذي ما زال يحتفظ بالحب رغم الجراح، لم لا تعوّد قلبك نسيان الآلام ليكون أقدر على استقبال موجات الفرح والسعادة؟ -"أحبك ولكن أغار عليك".. وهل تقبل أن يتحول الحب إلى أنانية واستفراد؟ أوليست الغيرة مفتاح الفراق فلم الغيرة في غير ريبة؟ أليس لأجل دوام الحب يتوجب مدافعة الشعور السلبي والاستعانة بذكر الله ودعائه على نوازع النفس الضعيفة؟ -"أحبك ولكن أعرف أن الطريق إليك مستحيل"! كلا؛ لا مستحيل مع الإيمان بالله القادر على التغيير: وَقَد يَجمَعُ اللهُ الشَّتِيتَينِ بَعدَما ... يَظُنَّانِ كُلَّ الظّنِّ أَن لاَ تَلاَقِيَا! والطرق إلى الحبيب بعدد الأنفاس والخطرات ! -"أحبك ولكن البُعد قدر مكتوب" والحب قدر مكتوب.. والمؤمن يدافع القدر بالقدر، وإذا تقاربت القلوب فلا يضير تباعد الأجساد! -"أحبك ولكن هل تحبني؟" لئن كنت السابق بالفضل، فلا أقل من أن أبادلك الجميل بمثله وَلِلقَلبِ عَلى القَلبِ دَليلٌ حينَ يَلقاهُ! وإذا عجزت عن أن أكون مبادرًا مثلك فلأتعلم منك وأقفو خطاك! -"أحبك ولكن على طريقتي.." لك ذلك.. فللناس فيما يعشقون مذاهبُ! ربما لا تحسن تزويق العبارات ولا سبك الألفاظ ولا نظم القصيد، فحسبي قلبك الطاهر ولسانك العف، وحفظك لمحبك في حضوره ومغيبه! -"أحبك ولكن كيف أنساك؟" أرجو ألا ينسيك الشيطان ذكر أخيك، فليس الحب سجنًا تطلب الفكاك منه.. فإذا طرأ النسيان عليك فهي آية تقصير أو ذنب أحدثته وحيل بيني وبينك بسببه، فاستغفر الله العظيم من كل ذنب يحول بيني وبين أحبتي. -"أحبك ولكن تغيّرت"! وَقَد زَعَمَت أَني تَغَيَّرتُ بَعدَها ... وَمَن ذا الَّذي يا عَزَّ لا يَتَغَيَّرُ؟ إن الحب الحق هو ذاك الشعور الراسخ الذي قد يتغير في طريقته ولكن لا يحول ولا يزول.. حتى الموت لا يمحوه، وفي لقاء الآخرة (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (الزخرف:67). -"أحبك يا وطني.. ولكن.. ويلي عليك، وويلي منك! -أحبك.. ومن الحب ما قتل!