حين نتحدث عن الحب بين الأزواج فإننا نتحدث عن حب يولد ويكبر وسط حياة حقيقية فيها الحلو والمرّ والسعة والضيق والصفاء والكدر. إن الحياة بين الأزواج ليست لقاءً عابراً بين عاشقين يتزين فيه أحدهما للآخر، ولا نظرة عابرة تمر على عينٍ فتسحرها ذات رغبه! يتحدث الكثيرون عن موت الحب مع الزواج! ويرددون قول أعرابي جاهل في غابر الأزمان: ( إذا نكح الحب فسد) وعلى حد تعبير العامة يهرب الحب من الشباك إذا دخل الزواج من الباب! كل هذه المقولات ليست إلا نقصاً في فهم الطبيعة البشرية والسيكولوجية العاطفية. قد لا يختلف اثنان على أن هناك دهشة ولذة للمشاعر الوليدة! تلك اللذة ليست لذّة الشعور! وإنما لذّة البداية! لا تلبث أن تتلاشى بحكم التكرار والاعتياد، لكن الشعور نفسه يبقى لتتأخر تلك الدهشة ونشوة اللذة فتفسح المجال أمام واجهات أخرى للتعبير عن هذا الشعور الجميل، واجهات ومعاني تفرضها طبيعة القرب الدائم وضرورة المعايشة اليومية. تلك المعاني لا يمكن أن تتصنعها النفوس غير المحبة، كما تتصنع وباحتراف لذة المشاعر الأولى! معاني التضحية، والمسؤولية، والغيرة، والبذل، والرعاية وسائر ما تفرضه الحياة الزوجية. غير أن الحب هنا هو الإطار الذي يحوي كل هذه المعاني دون سواه.ويجمّله ويكسوه. فكم من باذل وغيور ومنفق ومسئول لا يحب، بل يحسن فقط أو ينصف! وهؤلاء لم يجربوا من الحب أسمى معانيه، ولم يتذوقوا طعمه وحلاوته! أنفق بحب ! أطعم بحب! أشعرها غيرتك بحب! جرب أن تكسو يومك حباً واستشعر الفرق بين الأمرين. رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم علّمنا أن من حق الزوجة أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت، لكنه قد قال أيضاً ( واللقمة يضعها الرجل في فم امرأته صدقه)! تلك الصدقة أوسع من إطعامها الواجب‘ لأنك حين تضعها في فمها فإنك تمارس مع الإطعام حباً ومودة! في الحياة الزوجية متسع لترجمة الحب، أكثر مما تحويه مغامرات العشاق، وألذّ، وأبقى، ولكن الخلل في فهم الطبيعة البشرية عند تلقي المشاعر، ولعل ما يشكوه المحبون من هجر وعذاب وفراق هو ما نعنيه تماماً بزوال لذة البدايات التي هي سنة فطرية في الشعور واستجابة طبعية لعامل التكرار! أولئك النائحون عليهم أن يكفوا عن تكلف ما لا يكون ليعيشوا الحب بحقيقته الجميلة في عالم المشاعر المتنوعة في إطار الزواج المشروع، بدلا من اللهاث وراء لذة البدايات من عشق إلى آخر ومن هاوية لأخرى.