يضمّ المسجد النبوي الشريف بمساحته التي بناها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم «الروضة الشريفة»، وهي الموضع الواقع بين المنبر النبوي وحجرة النبي صلى الله عليه وسلم. ففي هذا المكان، المتلألئ بنور النبوة - كما جاء فى كتاب «تاريخ المسجد النبوي الشريف» للأستاذ محمد إلياس عبدالغني، وكتاب «القبة الخضراء، مسجد الرسول» للشريف أحمد محمد الحسيني - تتنزل الرحمات، وتسفح العبرات، وتُرفع الدعوات إلى الله عز وجل، وهو الموضع الذي يتمنى مليار ونصف المليار من المسلمين حول العالم نيل شرف الجلوس فيه ولو للحظة، والصلاة عنده. وقد ورد في فضل الروضة النبوية الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي». وهذا الفضل الخاص بالروضة الشريفة عن بقية أركان المسجد، يُضاف إلى فضل مضاعفة الصلاة في المسجد النبوي الذي ورد في الحديث الشريف، حيث إن الصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام. رياض الجنة وأوضح العلماء أن المقصود من هذا الحديث أن هذه الروضة بإزاء روضة من رياض الجنة، فيما ذهب بعض العلماء إلى أن المقصود أنها روضة حقيقية من رياض الجنة، بحيث ينتقل ذلك الموضع في الآخرة إلى الجنة، فهو ليس كسائر الأرض الذي يذهب ويفنى بنهاية الدنيا، وفي رأي ثالث أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد تشبيهها برياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة لملازمتها. مساحة الروضة أكد العلماء أن ما بين المنبر النبوي والحجرة المشرفة ستة وعشرون مترًا ونصف المتر، وهو ما أثبته السمهودي المتوفى في القرن العاشر الهجري حين ذكر أنه ذرع هذه المسافة بحبل فبلغ 53 ذراعًا. ويشير بعض العلماء المعاصرين إلى أن مساحة الروضة تبلغ اليوم اثنين وعشرين مترًا طولًا وخمسة عشر مترًا عرضًا، بعد أن حجب السور المحيط بالحجرة الشريفة والرواق الواقع بين الأسطوانات الملاصقة لجدار الحجرة جزءً منها. أسطوانات مرخّمة قام السلطان عبدالحميد العثماني بترخيم أسطوانات الروضة الشريفة بالرخام الأبيض إلى حد النصف، وجُددت هذه الأسطوانات وأعيد عليها الرخام في العمارة المجيدية مع زيادة تصقيله وتحليته، ويتضمن ذلك الأسطوانات من أسطوانة الوفود إلى الأسطوانة التي دون المنبر الشريف وما بينهما. وقد حصل بهذا الترخيم علامة جميلة لحد الروضة الشريفة. وفي العهد السعودي، حصل تقشر في رخام بعض أسطوانات الروضة فقامت حكومة المملكة بترميمها بالرخام الأبيض في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله، وذلك عام 1404 للهجرة. أهم أسطوانات الروضة مع أن الروضة الشريفة مشمولة بأحاديث فضل الصلاة في المسجد النبوي وزيارته، إلا أن الأحاديث الواردة في فضل الروضة الشريفة تعطيها معنىً زائدًا، كما أن كثيرًا من أسطوانات الروضة ترتبط بمناسبات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أطلق على بعضها اسم خاص يشير إلى تلك المناسبة، وكتب على بعض الأسطوانات اسمها مما جعلها معروفة بأسمائها إلى عصرنا هذا. ومن هذه الأسطوانات: أسطوانة عائشة رضي الله عنها، والأسطوانة المخلّقة التي تمتاز بأنها أقيمت في موضع الجذع الذي حنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسطوانة أبي لبابة، وأسطوانة السرير، والمحرس، والوفود.