بين يدي كتاب (العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم) لمؤلفه: (أحمد العلاونة)، ومن عنوان الكتاب نجد مرارة الحرمان، عندما يبيع الإنسان أعز ما يملك، وأنفس ما تعب لجمعه وتحصيله، وعندما لا يجد من أهله وذويه من يقدر السلعة النفيسة، ومورد الرقي والنهوض. ومع لذعة الحرمان، نجد في المقابل مآثر الحضارة في العناية ببعض المكتبات لكبار العلماء والمفكرين والأدباء والمؤرخين؛ لتنال حظها من الرعاية، وتسهيل المطالعة في المكتبات العامرة والمشهورة. وأنت تقلِّب النظر في عالم المكتبات، وأصنافها، ومخطوطاتها، وتحقيقاتها، يرتد طرفك حاسرًا على غياب معرض الكتاب بجدة، وكأنَّ المثقفين بكل اهتماماتهم زهدوا في المطالعة، وخبت جذوة الشوق لنوادر المكتبات في نفوسهم، وتراجعت عوالم التأليف ومدارسه عن اهتماماتهم. والحق أن المثقفين، بل الجيل الحاضر في أكثره، رغم كل التغيرات التي تمر عليه، لا يزال مستمعًا بتأمل لما كتب قديمًا وحديثًا، ومستمتعًا لكل ما يغذي عقله ووجدانه. إن آخر معرض دولي للكتاب بجدة، مر عليه قرابة عقد كامل من الزمان، وهو صدمة حضارية لا مسوِّغ لها أبدًا، وسقطة مؤسفة من جداول الاهتمامات الفعلية للهيئات والمؤسسات العلمية المهمة والكبرى في مدينة عريقة هي عروس البحر الأحمر، التي عرفت على مدى التاريخ بمفكريها وأدبائها وعلمائها في شتى العلوم والمعارف. لقد هيَّج هذا الموضوع عندي قراءتي لكتابين لطيفين في عنوانهما وفحواهما، وهما: (المعماريون في جدة القديمة) و(حكايات العطارين في جدة القديمة) وكلاهما للأستاذ: (عبدالعزيز عمر أبوزيد). وقلت في نفسي: ماذا عسى لو كتب المؤلف عن العلماء والمفكرين والمؤرخين والمثقفين ممن ألَّف في مدينة جدة، ولو في قرن واحد من الزمان، ممن أترعوا الدنيا علمًا وهداية وحكمة ونَفَسًا أدبيًّا رائقًا؟. إن الأمر ليس بحاجة لمزيد تعقيد وتنظير، وفي جدة من المؤسسات والهيئات التي تقدر على إعداد هذا المعرض، والإشراف عليه سنويًّا. إن الأزمة الحضارية، والتخلف القيمي يبدأ وينتهي من غياب الثقافة وغيبوبتها! وحتى لا نتورط في الاستهانة بمركز جدة الحضاري والثقافي، علينا أن نندم على خطيئة التراجع عن إقامة المعرض، وأن نعزم على عدم العودة لهذا الذنب الحضاري، وبيروقراطية إقامته، عسى أن تُقبل توبتنا عند أجيال تسمع عن الثقافة وأهميتها، ولا ترى فعلاً يوافق الحقيقة. وإن لم نفعل فقد ندخل موسوعة «جينيس» في الإهمال الثقافي؛ للتقصير في حق مدينة من أهم المدن الثقافية التي طال زمانها بعدًا عن الريادة العالمية، وبعدت الشقة بينها وبين الكسب الحضاري! فهل من خبر جديد يعيد لنا نشوة الربيع الثقافي؟! [email protected]