سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
العام الدراسي ... والتربية مُجرد التفكير في التغيير يعني إننا بدأنا مسافة الألف ميل التي تبدأ بخطوة تتلوها خطوات تكتب من جديد أبجديات تطور التعليم في بلادنا، وتعيد لمؤسساتنا التربوية فاعليتها
انتظم مطلع الأسبوع الماضي قرابة الخمسة ملايين طالب وطالبة مبتدئين عامهم الدراسي في أجواء مشابهة إلى حد كبير الأعوام المنصرمة ؛ فالمسئولون في وزارة التربية والتعليم والإدارات التعليمية يصرحون بجاهزية تامة، ويؤكدون على ضرورة بداية العام ليس من اليوم الأول بل من الحصة الأولى، ولكن الواقع يختلف عن هذه التصريحات البروتوكولية ، فاليوم يمر تلو الآخر والدراسة تتراوح بين مد تضخم الطلاب في المدارس وصعوبة توزيعهم على الفصول ، وجزر العجز في بعض التجهيزات والمعلمين. هذه التصريحات تبدأ مع بداية كل عام دراسي، ولا ندري من المتسبب في ديمومتها ، فهل السبب يعود إلى مثالية التصريحات من الإدارة العليا والوسطى أم يكمن في ضعف الدافعية للأطراف التنفيذية للعملية التربوية أم أن للأسرة ضلعاً في هذه المعضلة؟ ولكن يبدو أن تدني الرغبة المتولد عاماً بعد عام لعملية التعلم أخذ يطل بظلاله على سفينة التربية والتعليم ، ولعل قائلاً يبرر بأن تدني العائد من التعليم سبب إحباطاً للبعض، وقد يقول ثان إن تنوع مصادر المعرفة وسهولة الحصول عليها وعدم اقتصارها على المعلم وحجرة الدرس مسبب آخر، وقد يُعرّج ثالث بالقول إن ضبابية التعليم وضياع ملامحه في معاقله ناهيك عن سلوكيات بعض القائمين عليه دافع لهذا الإحجام. ومع ضرورة أخذ كل مبرر مما سبق بعين الاعتبار بناءً على ما تمليه علينا نظرية النسبة والتناسب؛ إلا انها في مُجملها عوائق لا بد من الاعتراف بوجودها أولاً ، لكي نبدأ بعد ذلك مرحلة المعالجة للمجتمع الطلابي المستهدف والذي غالباً ما يخضع للمؤثرات المحسوسة من حوله دون قراءة واعية للمستقبل الذي يحمل من المفاجآت ما يجعله يعيد الكثير من حساباته غير المنطقية التي تغلغلت في لحظة ضعف الرقابة الأسرية والتربوية الفعالة. إن أمام المسئولين عن التربية بشقيها - العام والعالي - تحدياً كبيراً يتمركز في قيامهم بعبء التوجيه قبل عبء التعليم، فالمتغيرات التي تتلاطم النشء والشباب تجتاحنا بسرعة مذهلة أفقدت الكثير من العاملين في الحقل التربوي زمام المبادرة، وأصبحوا مسيرين لا مخيرين في تكييف طلابهم مع التحولات السلوكية والأنماط الثقافية التي تبثها وسائط التقنية في نقل حي ومباشر، دون القدرة على فلترتها وإعادة ترتيبها، لنتمكن من السماح لما يتواءم مع معتقدنا وعاداته وتقاليده بالمرور وحجب ما يخالف ذلك، الأمر الذي شتت الجهود وجعل التربية في حالة من التوهان بين ما يتلقفه الطالب خارج الإطار المدرسي - وهو مؤثرٌ - وبين ما يتزود به داخل المؤسسة التربوية - وهو عديم التأثير. من هذا المنطلق يجب على المخططين في الإدارة العليا أن يُعيدوا صياغة النظام التعليمي بدءاً من وثيقة سياسة التعليم العامة التي صدرت في 1389/1390ه، مروراً برسم استراتيجيات تتوافق مع الواقع وتتفاعل مع مُعطياته، وانتهاءً بتصميم برامج عمل تنفيذية تتمحور حول تفعيل التعلم الذاتي والمستمر، وفتح المجال للطلاب والطالبات لاختيار مسارات تعلمهم وفق ميولهم ورغباتهم، والبعد عن إقحامهم في مقررات وصلت لهم بالتواتر الزمني والالتزام النظامي. هذه الغاية المثلى لن تتحقق بين عشية وضحاها، بقدر ما تحتاج إلى متغير الزمن ؛ لأننا نستهدف تغيير الفكر السائد للأفضل، لذا فإن مُجرد التفكير في التغيير يعني إننا بدأنا مسافة الألف ميل التي تبدأ بخطوة تتلوها خطوات تكتب من جديد أبجديات تطور التعليم في بلادنا، وتعيد لمؤسساتنا التربوية فاعليتها التي أصابها الخمول جراء جمودها وعدم مسايرتها للمتغيرات، والذي انعكس سلباً على حضورها كمحرك أساس في عملية التنمية وبناء الإنسان. إن تحولاً جذرياً كهذا سيولد لدينا أجيالاً فاعلين في الحضارة الإنسانية، ومتفاعلين مع أقرانهم في المُجتمعات الأخرى؛ لأن ليس ثمة فوارق جوهرية في الفكر بقدر ما سيكون التباين في القدرة على المحافظة على شخصية الإنسان المتكئة على مُعتقده والمرتبطة بقيمه دون وجود بتر في عملية التواصل التي رسختها التربية المنغلقة على ذاتها. [email protected]