رغم أن ما تردد مؤخرًا في تحقيقات صحفية حول شراء بعض المشاهير لمتابعين وجمهور في قنوات «الإعلام الجديد» -حتى يظهروا وكأنهم الأكثر شهرة- يظهر حجم الأهمية والمكانة التي بات يحظى بها «الإعلام الجديد»، إلا أنها سلطت الضوء على تواجد شريحة الدعاة والمشايخ في عالم «الإعلام الجديد»، ومدى تفاعلهم وتأثيرهم عبر هذه القنوات بما تحمله من أنماط وعلاقات جديدة في التواصل، وكيف أثر ذلك على صورة الشيخ/ الداعية النمطية لدى عامة الناس. فيومًا بعد يوم تزداد أعداد الملتحقين بوسائل الإعلام الجديد من فيسبوك إلى تويتر وغيرهما. ففي دراسة نشرتها الشركة الفرنسية (Semiocast) أظهرت نتائج هذه الدراسة أن عدد مستخدمي تويتر وصل إلى أكثر من (500) مليون مستخدم بنهاية شهر يونيو الماضي، وذكرت الشركة أن أكثر الدول من ناحية عدد المستخدمين هي أمريكا بواقع (140) مليون مستخدم وبعدها البرازيل ومن ثم اليابان وبريطانيا. من ناحية أخرى عرضت الشركة أكثر المدن التي يتم نشر التحديثات من سكانها، ولقد أظهر الترتيب وصول مدينة الرياض إلى المركز العاشر من بين المدن. كما ذكرت الدراسة أن هناك نموًا كبيرًا في عدد المستخدمين العرب لخدمة تويتر، وأن العدد الإجمالي لمستخدمي تويتر في السعودية وصل إلى أكثر من (2.9) مليون مستخدم. وفي دراسة غير منشورة للباحث فدغم المخيدش قدمت مؤخرًا لنيل درجة الماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود بعنوان «إعلانات الفيسبوك، دراسة كيفية لمفهومها وأهميتها واستخدامها» ذكرت أن عدد مستخدمي موقع الفيسبوك في المملكة العربية السعودية تخطى الخمسة ملايين (5334080) ويشكلون (20%) من السكان تقريبًا، ويمثل الذكور نسبة (69%) من المستخدمين، والإناث (31%)، وأشار الموقع إلى أن السعودية باتت في المرتبة (30) على مستوى العالم لمستخدمي فيسبوك حسب ما رصده موقع الإحصاءات العالمي (Social Bakers)، وذكرت الدراسة أن الرياض تمثل نسبة (87 %) من عدد المستخدمين للفيس بوك، كما تشير الدراسة إلى أن عدد زوار موقع الفيسبوك يوميًا (حسب بيانات ديسمبر 2011م) حوالي (483) مليون مستخدم، كما يبلغ عدد مستخدمي فيسبوك النشطين عبر الهواتف المحمولة حوالي (425) مليون مستخدم. ويستقبل الموقع حوالي (2.7) مليار تعليق وحدث “أعجبني" كل يوم، كما يستقبل يوميًا (250) مليون صورة يتم تحميلها إلى فيسبوك. ووصل مجموع علاقات الصداقة بين المستخدمين إلى (100) مليار علاقة، مما يعني أن متوسط عدد الأصدقاء لكل مستخدم نشط 100 صديق. ورغم كثرة الإحصاءات والأرقام والتي قد تكون متضاربة في بعض الأحيان إلا أن المؤكد أن الإقبال بات متزايدًا على قنوات الإعلام الجديد وأن تأثيره في الحياة الخاصة والعامة أصبح ملموسًا وواقعيًا. طبيعة الإعلام الجديد غير الإعلام الجديد من طبيعة التواصل بين الدعاة والجمهور فبدلًا من التواصل الهرمي في الإعلام التقليدي كما يرى عبدالرحمن الشهري -المدير التنفيذي لشركة سمارت تاقز للإعلام الجديد- والذي يأتي البث فيه من أعلى القمة إلى أسفل القاعدة -الجمهور- أصبح التواصل عملية شبكية كل شخص فيها عبارة عن نقطة، وكل نقطة لديها القدرة على التواصل وبث رسائل إلى كافة النقاط على مستوى العالم. كما أن الإعلام الجديد نقل التواصل بين الدعاة والآخرين من تواصل جماهيري كما هو في التلفاز إلى تواصل شخصي تصبح عملية التفاعل باتجاهين؛ فالمرسل يتحول إلى مستقبل والعكس أيضًا وهذه الطريقة أكبر فائدة كما يراها د.محمد الحضيف أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود. الصورة النمطية من وجهة نظر الكاتب الصحفي د.عبدالرحمن الحبيب أن تقنيات الاتصال الجديدة أحدثت تغيرًا جذريًا في نظم توزيع واستقبال المعلومات. فالرسالة تتحول من حالة التلقي السلبي (التلقين) في الوسائل القديمة إلى حالة التلقي الإيجابي (المشاركة والتفاعل) في الوسائل الجديدة. بل يذهب الحبيب أبعد من ذلك حين يرى أن الوسيلة أصبحت هي الرسالة، موضحًا أن تحولات المجتمع ترتبط بطبيعة وسائل الاتصال أكثر من ارتباطها بمضمون الرسائل التي يتم بثها عبر تلك الوسائل. هذا التغير في طبيعة العلاقة كان له أثره في نظرة الناس إلى المشايخ والدعاة فهو قد أزال القداسة والهالة التي كانت تحيط بهم كما يرى الشهري لأن القبول في هذه الشبكة هو للأكثر إقناعًا وحجية وأصبح الاعتماد على جودة التواصل والتغريد الذي يمارسه كل شيخ أو داعية. بينما يرى الحضيف أن الإعلام الجديد قرب المشايخ للناس وصاروا أكثر تفاعلًا وتواصلًا مع الجمهور كما جعلت المشايخ والدعاة أقرب إلى هموم الناس، ويضيف الحضيف أن الإعلام الجديد غير الصورة النمطية ليس عن المشايخ والدعاة فحسب بل غيرها لديهم وجعلهم ينزلون من الأبراج العاجية ويتخاطبون مع الناس ويعرضون وجهات نظرهم عليهم. لكنه في الوقت ذاته يشير إلى أن تجربة الإعلام الجديد أتاحت لعموم الجمهور التعبير عن آرائهم، كما جعلت الجميع أكثر مسؤولية تجاه ما يقولونه لأن الناس تحاسب بعضها ولم تعد هناك حصانة لأحد. ولأن طبيعة التواصل في الإعلام الجديد اختلفت عن الإعلام التقليدي فقد حدثت تحولات تدريجية في فكر كثير من الدعاة وفي جمهورهم على حد سواء كما يرى بعض المراقبين. تحديات ومخاطر رغم الشعبية الكبيرة التي يحظى بها الدعاة والمشايخ في وسائل الإعلام الجديد والتي بات يحسدهم عليها المشاهير من نجوم الفن والسياسة إلا أن تلك الشعبية معرضة للمخاطر؛ فساحة الإعلام الجديد ساحة مفتوحة لا تضمن الشعبية لأحد طوال الوقت؛ فتغريدة واحدة من وجهة نظر الشهري يغرد بها الشيخ أو العالم من غير أن يحسب ردة فعلها أو الآثار المترتبة عليها قد تؤخذ عليه وتتسبب في ردة فعل غاضبة، ويضيف الشهري أن تفاعل المشايخ والدعاة بجدية وحيادية مع الجمهور هو اختبار وتمحيص لأفكارهم وقناعاتهم؛ لأن جمهور الإعلام الجديد سيناقشهم في كل شيء وقد يعارضهم ويواجه أفكارهم؛ لذلك امتنع بعض المشايخ والدعاة عن الدخول في هذا المضمار. لكن الحضيف يستدرك ويشير إلى أن هذا الامتناع ليس مقصورًا على المشايخ والدعاة بل هناك شرائح مختلفة في المجتمع من أساتذة جامعات ومسؤولين يتحرجون من الدخول إلى تويتر أو فيسبوك تجنبًا لتجاوزات الآخرين أو اتهامات باطلة عليهم بسبب مواقف شخصية، خاصة أن تويتر وفيسبوك ديوانية عامة شعبية، وليس هناك من يحميك لاسيما وأن هناك حسابات وهمية أو أسماء مستعارة قد ينتحلها أناس أصحاب مصالح يتسببون في تشويه الآخرين أو الشوشرة عليهم. وطالب الحضيف في الوقت ذاته المشايخ والدعاة ألا يطرحوا آراء حدية بل يراعوا الفروقات الفقهية بين المذاهب ويكونوا أكثر مرونة، وأن تكون الآراء مدعمة بالدليل والحجة لأن الجمهور أصبح أكثر وعيًا ويتعرض لمصادر معلومات كثيرة، كما حذر الحضيف الرموز الدعوية والعلمية من أن يكونوا جزءًا من لعبة سياسية لصالح نظام أو حزب أو اتجاه معين؛ لأن ذلك قد يفقدهم احترامهم بين الجمهور، وأكد ضرورة ألا يستجر المشايخ والدعاة إلى صراعات مناطقية أو قبائلية. شراء المتابعين حقيقة أم وهم؟ نشرت تقارير صحفية مؤخرًا تحقيقات حول ما تقول إنه شراء للمتابعين من قبل المشاهير والرموز ومنهم شخصيات دعوية وعلمية، وتضاربت الأنباء حول مدى دقة البرامج المستخدمة للكشف عن حقيقة المتابعين. وفي الوقت الذي طالب فيه الحبيب بتفسير من الدعاة أنفسهم أو من مريديهم حول هذه الأعداد الوهمية متسائلًا هل كان ذلك خارجًا عن إرادتهم ومن غير علمهم؟ أم هي أخطاء بشرية غير مقصودة؟ وأشار الحبيب إلى أن «غالبية المتابعين لهؤلاء الدعاة المشاهير لا تقبل أي تساؤل بهذا الصدد لأنها لا تريد للصورة الجميلة التي خلقوها في أذهانهم أن تتشوه» وسمى هذه الحالة التي يعيشها المتابعون لأولئك المشاهير ب»حالة الإنكار» التي سيتكفل الزمن بكشفها على حد وصفه. لكن الحضيف يعتبر تلك التحقيقات غير منطقية بل هي من باب الشوشرة الإعلامية، وهؤلاء المشايخ والدعاة ليسوا بحاجة إلى شراء متابعين كما يرى. تحليل علمي وفي تحليل علمي متخصص لظاهرة الأكثر متابعة من المشاهير ومدى دقة التحقيقات الصحفية التي تشير إلى شراء بعض المشاهير لحسابات وهمية ومزيفة ذكر د.عمار بكار -الإعلامي المتخصص في الإعلام الجديد- لملحق (الرسالة) أن هناك عدة عوامل تظهر عدم دقة تلك التحقيقات منها: أن كثيرًا من البرامج الشائعة تعتبر من ليس لديه متابعين كثر أو لا يتابع إلا أعداد قليلة تعتبر تلك الحسابات وهمية، وفي مجتمعنا كثير من الأشخاص خاصة في أوساط النساء وربات البيوت أو غيرهم لديهم فقط أشخاص أو حسابات معينة يحبون متابعتها من غير أن يكون لهم نشاط في تويتر أو الفيسبوك أو حتى من غير أن يكتب أي كلمة، وهذه الظاهرة موجودة لدينا بكثرة. وعمليًا قد جربت هذه البرامج مع حسابات معروفة واختبرت حسابات متابعين معروفين لكنها أظهرتهم وهميين بسبب أن أولئك المتابعين لم يكتبوا شيئًا. عامل آخر ذكره بكار وهو أن هناك آلاف الشركات والمجموعات التي تحاول بناء قواعد معلومات لأهداف تسويقية في صناعة لا يقل حجمها عن ملياري دولار حاليًا، وهي في نمو دائم، وهذه الشركات تبني حسابات وهمية لسرقة المعلومات، والمشاهير هدف سهل لأن حساباتهم يرتبط بها مئات آلاف الحسابات الأخرى. ويضيف بكار عاملًا ثالثًا تقنيًا يتعلق بطبيعة عمل هذه الشبكات الاجتماعية إذ يذكر بكار أن (10%) على الأقل من متابعي المشاهير هم مزيفون لأسباب تقنية بحتة تتعلق بطريقة عمل تويتر وشبكة الإنترنت، وهذه النسبة تزيد عربيًا للأسباب نفسها. جهالة في الاستخدام إذا أضفنا إلى ذلك نسبة النمو الهائلة في استخدام الإعلام الجديد؛ إذ أعلنت شركة تويتر أن نسبة نمو استخدامه وصلت إلى (3000%) في السعودية، وهذا معناه أن كثيرًا من الناس يسمع بتويتر أو الفيسبوك في مجالس الناس فيذهب وينشئ له حسابًا ثم يتجاهله، لذلك يرى بكار مدير الإعلام الجديد في مجموعة (MBC) سابقًا أن الطريقة العلمية التي نستطيع أن نحكم بها هي أن يكون هناك جهد لحساب معدل الحسابات الوهمية أو المزيفة في حسابات المشاهير وذلك باستخدام طريقة موثوقة بناء على العوامل المذكورة، ومن ثم نحلل حسابات المشاهير المتهمين بشراء الأصوات ونقارن نسبة الحسابات الوهمية لديهم بتلك النسبة المعتمدة، فإذا كانت نسبة الحسابات المزيفة أعلى من المعدل العام بشكل واضح، يصح اتهامه بشراء الأصوات في هذه الحالة. ويؤكد بكار أنه بغير هذه الطريقة يكون هناك تعجل وبعد عن الدقة في الحكم على الناس. وبعيدًا عن عدد المتابعين يشير بكار إلى وجود برامج تستخدم عوامل أخرى أكثر دقة وهي برامج لرصد الشخصيات الأكثر تأثيرًا في الإعلام الجديد حيث لا تعتمد هذه البرامج فقط على أعداد المتابعين بل تعتمد على قياس التفاعل مع الشخصيات وما تكتبه؛ فمثلًا ترصد كم إعادة إرسال للتغريدات التي كتبتها تلك الشخصيات، أو عدد الردود التي تلقاها على تغريداته، وهذه برامج معتمدة وذات مصداقية عالية لدرجة أن كثيرًا من الشركات الكبرى تعتمد عليها.