بغضّ النظر عن استقالته، أو طلبه الإعفاء، وبعيدا عن الأسباب خلف تنحّي مدير مستشفى حائل عن منصبه الأسبوع المنصرم، واعتذاره عن الاستمرار في عمله "تجنبا لتحمّله أوزار المرضى" أو كما تردد عن تنصّله من المسؤولية عن بعض الأخطاء الطبّية، لا بدّ من القول: إن ثقافة التنحّي عن المنصب ليست ثقافة منتشرة أو مقبولة لدى كثير من المسؤولين، ناهيك عن اعترافهم بالخطأ والتقصير، وقصور أدائهم، فمن النوادر أن يتقدّم أحد المسؤولين باستقالته بعد تكرار انتقادات أدائه، وتمَلمُل الناس من تدهور خدمات إدارته، وتأخّر تنفيذ مشروعات مؤسسته وتطوير أنظمتها، وكثرة تسويفه، واهتمامه بتصريحات ووعود إعلامية لم تجد تنفيذا على أرض الواقع. مثل هذه الثقافة، نادرةُ الحدوث في المجتمعات العربية، وغريبةٌ على الإدارات التنفيذية في مؤسساتها، لكنها أمرٌ عادي في كثير من المجتمعات الأخرى التي وضعت أنظمة رقابية صارمة، تُقيّم الأداء، وتتابع القُصور, وتحاسب المقصّرين على أخطائهم، بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية، كما تحظى تلك المجتمعات بقنوات إعلامية وجِهات رقابية، لا تحتمل تجاهل رد المسؤولين على ما تطرحه من استفسارات وانتقادات، مما يضطر المسؤولين إلى احترام أنفسهم، وتحمّل مسؤولياتهم، والعمل على خدمة أفراد مجتمعهم من خلال مناصبهم، ومراجعة أدائهم بصفة دورية، والاعتراف بالأخطاء، فضلا عن الاستقالة من مناصبهم عند عدم استطاعتهم القيام بمسؤولياتهم المنوطة بهم. أجد في هذه الحالة النادرة، بُشرى تسرُّ السّامعين، وتجبر الخواطر المكسورة، وفرصة سانحة لبعض المسؤولين، الذين كلّفهم ولاة الأمر بخدمة المواطنين والمقيمين، أن يحذوا حذو "المُدير الُمستقيل"، ويبادروا إلى مِثل ما فعل، خاصة وقد تبيّن لهم خُلوُّ وِفاضهم من الأفكار التطويرية، ووقوف أساليبهم الإدارية العقيمة حجر عَثرة في طريق تحسّن الأداء وحلّ المُشكلات، تجنّبا لدعاء المظلومين، واتّقاءً لأوزار الناس، وإفساحًا المجال لغيرهم ليؤدوا عنهم ما عجزوا هم عنه، وينجحوا في ما فشلوا هم في تحقيقه، فذلك ليس عيبا، ولا نقصاً ولا سُبَّة، بل شجاعة وفضيلة، وواجب يُمليه الشعور بالمسؤولية العظيمة، والإحساس بالحِمْل الثّقيل، رأفةً بأنفسهم ومن يَرْعون، فالاستقالة خيرٌ لهم - وللناس - لو كانوا يعلمون !!. [email protected] [email protected]