لعل البعض لا يزال يذكر كيف وفّرت حالة الفوضى والاضطرابات التي سادت العراق بعد الغزو الأمريكي في ربيع عام 2003، الأجواء المواتية للمجرمين واللصوص، ومنهم لصوص الآثار الذين استغلوا الفرصة، وقاموا بنهب آلاف القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن، ونقلها خارج البلاد كنوع جديد من تجارة السوق السوداء، إذ سرعان ما ظهرت العديد من تلك الآثار في أماكن عدة في أوروبا. وهو ما تكرر بعد ذلك بعد أقل من عقد في مصر خلال ما يسمى بثورة الربيع العربي، التي أدّت ضمن ما ترتب عليها أيضًا من نتائج، إلى أن تسود أجواء الفوضى لبعض الوقت، خاصة في ميدان التحرير الذي يقع فيه المتحف المصري، الذي يضم أنفس ما تمتلك مصر من آثار (باستثناء آثار الأقصر وأسوان)، وبما استغلته أيضًا تلك العصابات التي يمكن تسميتها بمافيا الآثار في نهب العديد من آثار ذلك المتحف النفيس، الذي يعتبر بوابة السياحة الخارجية لمصر، والمعبّر عن حضارتها العريقة. ما حدث في مصر والعراق، يتكرر الآن -مع شديد الأسف- في سوريا، وهو كما ذكر روبرت فيسك في مقاله في الإنديبندنت مؤخرًا تحت عنوان "كنوز سوريا الأثرية المسحوقة" يعتبر جريمة أخرى من الجرائم التي ترتكب في حق التراث الإنساني والحضاري. فقد عدد فيسك المواقع السورية الأثرية التي تعرضت للنهب والتدمير في أنحاء متفرقة من سوريا، ووصف عمليات نهبها بأنه شيء مروّع. ما يزيد من وطأة هذه الجرائم التي يمارس معظمها من قبل فئات من الشعب لا تتمتع بالحد الأدنى من الحس الوطني والوعي الحضاري الحقيقة المرة التي يلمسها المرء في زيارته لعواصم العالم الكبرى، فيُفاجأ بالآثار الفرعونية والبابلية والأشورية والفينيقية تزين ميادينها ومتاحفها، بل لعل البعض لاحظ أن الموميات والآثار الفرعونية في المتحف البريطاني في لندن تفوق مثيلاتها في المتحف المصري، وكذا الأمر بالنسبة للآثار البابلية والآشورية. فإذا أضفنا إلى ذلك نهب إسرائيل للآثار الفلسطينية ومحاولاتها المتكررة لنقلها إلى المتحف الإسرائيلي، إلى جانب محاولاتها تهويد كل ما يتعلق بالتراث الفلسطيني ضمن أكبر حركة قرصنة تراثية، يشهدها التاريخ المعاصر لأدركنا مدى خطورة هذا العدوان الذي يهدف إلى تجريد الأمة من سلاحها الحضاري الذي يشهد على دورها ورسالتها في دفع الحضارة الإنسانية، وتعليم العالم ألف باء الحضارة بدءًا من العصر الحجري. وبالرغم من أن الكثير من الآثار العراقية والمصرية، تم استردادها وترميمها، وهو المؤمل أيضًا بالنسبة للآثار السورية، إلاّ أنه لابد من خطة عربية مشتركة تهدف إلى استعادة كافة كنوز الآثارالعربية تحت شعار تحرير التراث.