يتبع ركنين من أركان الإسلام الاحتفالُ بعيدين: عيد الفطر بعد صوم شهر رمضان، ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر، وثانيهما عيد الأضحى بعد حج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا. وأهل مصر يسمّون عيد الفطر بالعيد الصغير، وعيد الكعك، ويسمّون عيد الأضحى بالعيد الكبير، وعيد اللحمة، ويصرّون على أكل الكعك واللحمة فيهما. أمّا في مكةالمكرمةوجدة، فيتم الاحتفال بعيد الفطر، وأهم مظاهر الاحتفال أن توزع بيوت الحواري على أيام العيد الأربعة، وكل بيت في حارة الاحتفال تشرع أبوابه ويجلس رجاله في المقعد لاستقبال المهنئين بالعيد، يدخل البيوت من يعرف أهله، ومن لا يعرف أهله، ويقولون كل عام وأنتم بخير، ومن العايدين، ويرش عليهم العطر، ويأخذون حلوى بهذه المناسبة السعيدة، ويخرجون من الدار وسط ترحيب أهل الدار بنفس الترحيب الذي استقبل به، والمتخاصمون من الأهل والأصدقاء يتعانقون ويتصالحون، وفي هذا العيد تُجلى النفوس، وتُصفّى الخواطر، أمّا البيوت التي تعاني من الحزن لفقدان عزيز عليها غيّبه الموت، فيرد باب البيت، ويدخله الوافدون إلى المعايدة ويقولون لأهله: «الله يرحم مَن لم يعد عليه» نوع من المواساة وجبر الخواطر، وفي اليوم الثاني من العيد تنتقل المعايدة إلى الحارة المختارة الثانية، يزورها المهنئون بالعيد، ويتكرر هذا الموقف طوال الأيام الأربعة بالنسبة لكل حواري مكةالمكرمةوجدة، وينتهي عيد الفطر وكل الناس قاموا بتهنئة بعضهم بعضًا في عيد الفطر المبارك. هناك مظهر آخر في عيد الفطر، حيث تنصب في الشوارع «المدارية» في كل البرحات الواسعة لمدة أيام العيد الأربعة «الشبرية» للبنات والأطفال الصغار، و»ألواح» للرجال، و»العقلية» للشباب والأطفال لا يصدقون أن هذه «المدارية» تفكك من مواضعها بعد مغرب اليوم الرابع من العيد وسط صراخهم واحتجاجهم وهم على أكتاف آبائهم، ولكنّ صراخهم وبكاءهم يذهب سدى؛ لأن البلدية كانت تلزم أصحاب «المدارية» بفكها من مواقعها، وبذلك يعلن عن انتهاء عيد الفطر المبارك.. هذه الصورة من الاحتفال بعيد الفطر انتهت بعد أن انتشرت الألعاب الثابتة في مواقع معينة من مدينتي مكةالمكرمةوجدة وغيرهما من المدن، وانتهت بهجة الاحتفال بالمدارية لأنها أصبحت موجودة طوال أيام السنة. أمّا عيد الأضحى المبارك كان الاحتفال به في الماضي عندما كان الطلوع إلى عرفة يتم «بالشقدف»، والجمال، والخيل، والحمير، أو المشي على الأقدام؛ ممّا يجعل النزول إلى مكةالمكرمةوجدة في أيام التشريق متعذّرًا التي هي أيام عيد الأضحى المبارك، فيقضون العيد في منى مما يجعل مكةالمكرمةوجدة وغيرهما في حالة خليف تام. وعرفت في تلك المرحلة «لعبة القيس»، وهي عبارة عن سيطرة النساء في المدينتين مكةالمكرمةوجدة، وربما غيرهما من مدن أخرى فكن (النساء) يلبسن ملابس الرجال، والعمامة، ويلعبن بالعصي والمزمار، وإذا رأين رجلاً في الشارع أخذن يتعقبنه حتى يلزمنه بالعودة إلى داره، وهن ينشدن له «يا قيس يا قيس.. الناس طلعت تحج وأنت جالس ليش»، وينتهي هذا المهرجان في الشارع بانتهاء اليوم الرابع من أيام عيد الأضحى المبارك، عندما يعود الرجال من الحج إلى المدن التي يعيشون فيها. تلاشت هذه الصورة من الوجود بعد أن تطورت وسائل المواصلات في الطلوع إلى عرفة، والانتقال بين المشاعر. وأصبح في مقدور حجاج بيت الله الحرام أن يقضوا كل أيام التشريق في مدنهم، ويطلعوا إلى منى يقومون بالمشاعر ويعودون إلى مدنهم مرة أخرى، بصورة جعلت من الممكن الاحتفال بعيد الأضحى المبارك، خصوصًا وأن الملاهي المنتشرة في المدن تمكن الأطفال من اللعب والمرح طوال أيام عيد الأضحى المبارك. دعوني أؤكد حقيقة أن الماضي له طعمه، والحاضر له مذاقه، فإن كان الماضي تراثًا لا يجب أن ننساه، فإن الحاضر واقع يجب أن نتعايش معه، ولكل واحد منهما طعمه، كل عام وأنتم جميعًا بخير مع الأمة العربية والإسلامية بعيد الفطر اليوم، وعيد الأضحى غدًا.