ما ذكرته مصادر الأخبار مؤخرًا عن عزم إسرائيل إخلاء عدة قرى في الضفة الغربية من سكانها لتحويلها إلى مناطق تدريب لجيش الدفاع الإسرائيلي ينطوي على قدر كبير من الغرابة، ليس لأن هذه الممارسة تعتبر جديدة، وغير مسبوقة في التاريخ الحديث، بحيث يمكن اعتبارها اختراعًا استعماريًّا جديدًا يعكس تفنن إسرائيل في إيجاد وسائل جديدة في سرقة الأراضي التي تحتلها تحت مبررات وحجج واهية، لا أساس لها من الشرعية، والمنطق، والعرف، وإنما أيضًا لأنها تتم وسط حالة من الصمت الدولي المطبق الذي يتغاضى عن كافة انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، ولكافة المواثيق والاتفاقيات والقرارات الدولية المعنية، إلى جانب أن تلك الممارسات تشكل في مجموعها ضربة قاصمة لاتفاقية أوسلو، وخريطة الطريق، وقرارات اللجنة الرباعية، ومبدأ حل الدولتين. قرار وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك الصادر مؤخرًا القاضي بإخلاء خربة "جمبا" جنوبي بلدة يطا في الخليل ليستخدمها الجيش الإسرائيلي للتدريبات العسكرية يعتبر تدشينًا للخطة الإسرائيلية الجديدة، التي تعبّر عن أسلوب جديد في السيطرة على المزيد من أراضي الضفة الغربية، وهو ما يتم بالتزامن مع اعتداءات المستوطنين، وممارسات الاحتلال من جرف للأراضي، وهدم للمنازل، وقطع لأشجار الزيتون، واستئناف بناء الجدار الفاصل، واستمرار الاعتداءات، والاعتقالات، وحملات التهويد والتهجير التي وصلت إلى ذروتها في الآونة الأخيرة، في ظل استمرار الانقسام الفلسطيني، وانشغال العالم بأحداث سوريا الدموية. ما يزيد الأوضاع سوءًا أن إسرائيل التي تضرب بعرض الحائط القرارات الدولية لا تعترف بالقانون الدولي، وترفض تطبيقه على الأراضي الفلسطينية، اعتقادًا منها أنها بالدعم الأمريكي اللامحدود فوق القانون، وغير قابلة للمحاسبة، أو العقاب مهما كان حجم الجرائم التي ترتكبها في حق الشعب الفلسطيني، وهو ما يستوجب إجراء تغيير جذري في الخطط والإستراتجيات الفلسطينية، بتفعيل كافة أساليب المقاومة التي تعتبر حقًّا إلهيًّا وقانونيًّا تنص عليه الشرائع السماوية، وأيضًا ميثاق الأممالمتحدة نفسه، مع التركيز بشكل خاص على ما يمكن تسميته بالنضال القانوني الذي يتطلب بدوره فريقًا من الخبراء الفلسطينيين، والعرب، والدول الصديقة المتخصصين في القانون الدولي لمطاردة إسرائيل، وملاحقتها في المحاكم الدولية على كافة الجرائم التي ارتكبتها ولا تزال ترتكبها في حق الشعب الفلسطيني.