السائل (عبدالرحمن أحمد): أحب اللّغة العربية، ولكن لم أجد مَن يحببني فيها، وتأليفاتك الميسّرة وجدت فيها ما يقرّبني لها، وأريد منك فضيلة الشيخ أن توجّهني إلى تفسيرٍ ينفعني في معاني القرآن، ويقوّي ملكتي في اللغة. الفتوى 57: في الرسالة المطوّلة التي أرسلتها ما يدل على ملكة قادرة على التمكّن من محبوبتك (اللّغة العربية)، وأنك قريب منها، وأنّ ظلالها دانية عليك، وقطوفها مُذلّلة، والعلاقة أولى منازل المحبة، وما يدريك لعلك تبلغ فيها إلى أن تتخلل مسالك الرّوح منك؟ غير أن الحب وحده لا يكفي، فلابدّ من تجييش جيوش الغرام، وتجنيد أجناد الهوى، وذلك بتعلم النحو والتصريف، وبدراسة علم المعاني والبيان، وشيء من فقه اللغة، وقراءة الشعر قراءة صحيحة، ويكفيك في هذا -إن كنت متجردًا له- عام واحد، وهذا يهيئك بعد ذلك لفهم الكتب المتوسطة التي تُعنى بدلالات الألفاظ والتراكيب، والبناء والتعاريب، التي تعدِّك وتقدّمك للتفاسير الكبرى الغواصة في أعماق اللّغة، ومن الكتب المعينة لك على ذلك: كتاب (الدر المصون) للسمين الحلبي، وكتاب (المفردات) للراغب الأصفهاني، وكتاب (إملاء ما منَّ به الرحمن في إعراب القرآن) للعكبري، ترجع إليه عند الحاجة. وعليك بعد ذلك أن تُعْمِل فكرك في فهم كلام الله، فإنك أنت وكلّ مَن له عقل داخل في قوله تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَاب) [ص: 29] فمَن قال إنه لا يفهم القرآن إلاَّ بتفسير يسمعه، أو يقرأه فقد أخرج نفسه من أولي الألباب، نعم هنالك آيات وجمل في القرآن موقوف فهمها على أدوات أخرى للمفسر، كالعلم بالخاص والعام، وأسباب النزول، ولكن هذا في مواضع قليلة، ومعظم القرآن يفهمه العامّة، فكيف بك إذا صرت من الخاصة .. والقصد أن اللّغة والتدبر هما وسيلتك لفهم القرآن، وإيّاك أن تصدق قطاع الطرق الذين يخيّلون إليك أنّ طريق العلم طريق طويل، وأنك تحتاج إلى عشرين سنة لتكون حاذقًا باللغة، ولعلك بعد ذلك الحذق تكون مهيّأً لفهم القرآن. أولئك هم أصحاب الأبواب الموصدة، والقلوب المقفلة .. وللجواب تتمة لعلهُ يستغرق جمعات هذا الشهر.