بتُّ مؤمناً بأن البوصلة السياسية في خارطتنا العربية تسير في خدمة الكيان الصهيوني، الذي يستفيد بشكل حصري من كل ما يموج في أوساطنا الثقافية والسياسية من صراع فكري وخلاف سياسي، بل وتراه يسعى عبر آلته الإعلامية متعددة اللغات والجنسيات إلى تكريس ذلك الصراع وزيادة حدته، حتى لو اقتضى الأمر لأن يتقمصَ أدواراً، ويجسدَ صوراً لا تمت إليه بصلة، وما شحنة اللحى المستعارة التي كشف عنها في تونس، وكذلك شبق القتل غير المفهوم في العراق، والحرص على استمرار تيه الشارع المصري في دوامة مفتعلة، والعمل الدؤوب على تغيير شخصية العدو واتجاهه في الذهنية العربية، ليصبح المختلف مذهبياً عدواً لدوداً ولتتحول إسرائيل الصهيونية إلى صديق يمكن أن يبني العرب معه شراكة إنسانية واقتصادية وثقافية!! وما كل ذلك إلا دليل على أصالة مخطط الإلهاء الذي ترمي إليه دولة الكيان الغاصب وتسعى إلى تحقيقه منذ ابتداء نشأتها وحتى الآن، وليس خافياً أن مخطط إلهاء العرب بعدو بديل هو الشغل الشاغل لهم منذ ابتداء الدعوة المحمدية وحتى قيام الساعة، إذ وعلى الرغم من تحذير الله منهم بقوله صراحة في الكتاب الكريم{لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا} إلا أنهم تمكنوا تاريخيا من تحويل بوصلة الصراع عنهم، إلى الجانب المسيحي، ثم استأنسوا إثارة الصراع الطائفي بين المسلمين كلما سنحت الظروف لهم، وصولا إلى هذه المرحلة، التي حتما باتوا يشعرون فيها بحلاوة الاطمئنان مع تزايد حدة وتيرة الصراع الطائفي بين المسلمين، وفي ذلك تحقيق لرغباتهم السياسية التي طالما حلموا بها، إذ سيحقق لهم تزايد وتيرة الصراع السني الشيعي مزيدا من الشرذمة الفكرية والصراع السياسي ضمن إطار خارطتنا العربية، مما يسهل من استكمال تخلُّق الجنين الجديد فيما يعرف بمشروع الشرق الأوسط الكبير. في هذا الجو أقرأ اهتمام بعض المنتجين العرب بإنتاج مسلسلات تاريخية تحكي سيرة الحقبة الأولى من القرن الأول الهجري، حيث يتبلور الخلاف الطائفي بين السنة والشيعة، وكان قد سبق ذلك تأجيج مشاعر المُشاهدَ عبر برامج حوارية غير بريئة، تم عرضها في بعض القنوات الفضائية الطائفية، ليتحقق الفرز الطائفي تحضيرا لهذا اليوم، الذي ينتشي فيه المخطط الصهيوني لنجاحه في رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد. تبقى الإشارة واجبة إلى أهمية التفريق بين فيلم الرسالة للراحل مصطفى العقاد، الذي عكس روحا عربية إسلامية واحدة، وبين مسلسل الحسن والحسين الذي شكل نقطة بداية في مشوار الدراما الطائفية البغيضة على الشاشة العربية . [email protected]