تشتد العاطفة في المساواة بين الاعزاء بالتبجيل والثقة، ولا تسمح بفكرة أن بعضهم مختلف لغفلته أو جهله بأمر ما في الحياة. أعزاؤنا بشر يتفاوتون في التجربة والايمان والاطلاع ويتمايزون في العطاء والصدق والتأثير لذلك فأنت تختار فقيها ومعماريا وتاجرا تسأله، وتميل لإنسان تفضي بهمك إليه. فيك يقين مكتوم بقصور بعض الاعزاء عن فهم حيرتك، فتكلم ذاك وتترك هذا. الجاهل بشيء يفتقد العلم به وفاقد الشيء لا يعطيه. للجهل درجات ووجوه ونتائج، ويكون بالعلوم النظرية والعملية وبالفكر والحكمة وبالأدب والخلق. تجد من لا يفقه في الدين ومن لا يفقه في الاستثمار ومن يجهل فنون التربية ومن لا يعرف تفاصيل الانظمة واللوائح. وتجد من لا يحفظ سرا ويفتقر الى حسن الاصغاء والحوار، ومن يفتيك في كل شيء، ومن ينفرك بكثرة تطاوله واستهزائه. بتجاوز العاطفة الى العقل تجده طبيعيا أن تأخذ أو لا تأخذ عن عزيز، تبعا لاطمئنانك أو شكك في رجاحة عقله وقوله، أي تبعا لدرجة ووجه ونتيجة جهله. إن صعب علينا قبول ذلك، فهو كصعوبة إظهار أي أمر آخر نكتمه، وتبقى الحقيقة الواقعة وسنة الحياة لا تتغير. اعترافاتنا المكتومة بالفروق بين الأعزاء نبالغ في إنكارها حتى نحتار ونعجز عن التصرف السليم، ونصنع حفرة بالغة الأثر في حياتنا. إذا ألغيت احساسك ويقينك بأن ثمة أعزاء غافلين لا تثق في علمهم وأمانتهم، ثم تضعهم في مرتبة الكمال، تستشيرهم وتنزههم عن الشك والخطأ، فانت تثقل حياتك بغم خفي. تأخذك المحاباة لإظهار التكيف، تتهرب من أمور وتعظم أخرى، تفرض على نفسك -وربما على أسرتك- خيارات وقرارات غريبة أو مرهقة. ذلك لأنك أنت راقبت وحفظت كلمات وتصرفات أولئك بلا تفكير ومراجعة فضلا عن الرفض. في طبيعة البشر والحياة أن ليس كل ذوي القربى والرحم والصداقة والشأن معصومين من الغفلة والجهل مهما بدا المظهر والسن والجاه مؤثرا. قبولك بكل ما تراه من جاهل، فوق كونه مضيعة لوقتك وعقلك، فيه تغرير به فلا يتنبه، وفيه خداع للآخرين، وفيه ظلم للعزيز الواعي إذ ساويت به من هو دونه. كثيرون منا سقطت أمامهم مظاهر أعزاء مقربين لهم عن صور ودرجات ونتائج بشعة للجهل غير قبح اللسان والخلق، فهذا مراب وذاك مجاهر بمعصية وثالث متكبر وآخر مضيع للحقوق والأمانات، وفلان كاذب منافق وغيرهم إمعة بلا رأي ولا هدف ولا يستأمن في شيء. السلامة والكرامة تكون في الذكرى واظهار الصواب، وإلا ففي تحاشي كل متبوع وتابع جاهل، ليستشعر المرء الطمأنينة والوضوح والسعادة لنفسه ولاهله ولذريته ويتبرأ من الامعية المنهي عنها. فارس محمدعمر توفيق - المدينة المنورة