على الرغم من الدعوات المتكررة بضرورة الحد من الارتفاعات المتواصلة في الاسعار، الا ان اسعار غالبية المواد الغذائية واللحوم سجلت زيادة ملموسة وصلت الى 20% قبل دخول شهر رمضان المبارك، ولم تعد تنطلي على الكثير من المستهلكين حيل الكثير من السوبر ماركت التي تعمد الى اجراء تخفيضات على سلع محدودة مقابل مئات السلع التي ترفع اسعارها في هدوء تام. وفيما طالب الخبراء الاقتصاديون بضرورة تشجيع الصناعة الوطنية للحد من الاستيراد من الخارج وكذلك تخفيض الاستهلاك في الشهر الكريم، رأت وزارة التجارة انها لا يمكنها التدخل بصورة مباشرة لكبح الاسعار لاعتماد السوق السعودي على المنافسة، واكتفت الوزارة بحسب مسؤوليها بالمراقبة فقط مؤكدة التدخل في حالات الضرورة القصوى فقط. «المدينة» قامت بجولة على عدد من المراكز التجارية الكبرى المتخصصة في بيع المواد الغذائية, وكانت الأسعار متفاوتة في المنتج، وعلى سبيل المثال تراوح سعر علبة «الشوربة» من 5 ريالات في المركز التجاري رقم 1, وقد تجده ب7 ريالات في المركز رقم 2, و ب9 ريالات في المركز رقم 3, وكانت الاختلافات بسيطة في المنتجات المعلبة، أما اللحوم والدجاج فكان التباين كبيرًا، وعلى سبيل المثال بلغ سعر الكيلو من اللحم الاسترالي 36 ريالًا في المركز رقم 1 و25 ريالًا في المركز رقم 2, وفي مركز رقم 3 يباع ب40 ريالا. في البداية اشار المواطن صالح الخليوي إلى أن التجار يغتنمون أي فرصة لزيادة الأسعار وشهر رمضان فرصة لا يمكن أن تضيع سدى من بين أيديهم في ظل غياب دور الجهات الحكومية المسؤولة عن مكافحة غلاء الأسعار منوهًا الى أن الارتفاع طال الأسماك واللحوم والدجاج بشكل كبير. كما ان جميع المراكز التجارية المتخصصة في بيع المواد الغذائية رفعت أسعارها, وطالب الخليوي وزارة التجارة بالتدخل السريع لاحتواء الموقف المتكرر سنويا بدون حلول جذرية. ومن جهته قال المواطن مسافر القرني: لو وجد هؤلاء التجار عقابًا لما تجرأوا على رفع الأسعار كما يحلو لهم مستغربا غياب العقوبات والجولات الميدانية التي نسمع عنها ولا نراها ابدا في الاسواق. وبدا المواطن احمد العامر غير مكترث بما يجري وقال: ارتفاع اسعار المواد الغذائية في شهر رمضان اعتدنا عليه لان اصوات المواطنين بحت ولم تجد مجيبا، ودعا الى تعاون الجهات الرسمية مع بعضها البعض من اجل حماية المستهلك الذي يعد ضحية لاي تغيرات ولو طفيفة في السوق. وارجع عبدالعزيز ضيف الله ارتفاع الاسعار الى غياب الرقابة وانعدام الحماية للمستهلك، وهو ما يدفع التجار إلى استغلال مناسبة الشهر الكريم لتحقيق المزيد من الأرباح، وقال: «لو ان كل جهة قامت بدورها على اكمل وجه لما عانينا من جشع التجار بصورة موسمية». وطالب علي آل هادي وزارة التجارة بالتدخل لوقف تلك الارتفاعات الكبيرة وتفعيل مؤشر رصد الأسعار اليومية والنزول الى الميدان وزيارة المراكز التجارية والوقوف على الاسعار لان الحديث من خلف المكاتب لا يفيد المواطن باي شيء. الاعتماد على الاستيراد من جهته ارجع عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور أسامة فيلالي ارتفاع الأسعار لعدة أسباب ابرزها استيراد غالبية المواد الغذائية من الخارج الذي شهد ارتفاعا في التكاليف خاصة المواد الخام والطاقة والاجور فضلا عن زيادة الطلب من المستهلكين واسعار العملة في ظل انخفاض الدولار الامريكي بصورة ملحوظة، وانتقد الطبيعة الاستهلاكية في رمضان على الرغم من ان الوجبات التي يتم تناولها فيه وجبتان فقط، والمح الى زيادة في الاستهلاك برمضان قد تصل الى نسبة 100%. ووصف فيلالي مؤشر السلع المعمول به في ضبط الأسعار بالجيد وقال لو شمل أصنافا أكثر سيكون أفضل، نافيًا أن يكون مجرد ديكور. أسباب غلاء الأسعار وقال الخبير الاقتصادي عبدالباسط المالكي: ترجع اسباب الغلاء الى ارتفاع أسعار المواد المستوردة والاعتماد عليها بصورة كبيرة وجموح الأسعار في البورصة العالمية, كما قد تتاثر الاسعار كذلك بالأحوال المناخية التي تحدد الى حد ما جودة المحصول وزيادته من عدمه، واشار ايضا الى زيادة عدد السكان في العالم وما ترتب عليها من زيادة الاستهلاك والطلب على الخدمات الأساسية وارتفاع أسعار النفط التي ادت الى زيادة ملحوظة في أسعار كل السلع والخدمات التي نستوردها من الدول الصناعية، وحذر من استمرار غياب الرقابة الرسمية زاعما تشجيع وزارة التجارة لتلك الزيادات عبر تبريرها للغلاء بمبررات خارجية فقط ومطالبتها للناس بالتأقلم معه، وانتقد ممارسة بعض التجار للاحتكار والسلوكيات الشرائية السلبية داعيا الى ضرورة دعم الصناعة الوطنية وتقليل فاتورة الاستيراد التي ترتفع في رمضان الى قرابة 10 مليارات ريال. وراى الخبير الاقتصادي فضل البوعينين ان الاسعار لا تزال تشهد انفلاتا يزيد من اعباء المواطنين مقارنة بمحاولات وزارة التجارة المتكررة لضبط الاسعار وخاصة الاساسية منها، واعرب عن قلقه في ان تصل الزيادة في الاسعار قبل دخول الشهر الكريم الى 30% وبعضها مرشح للزيادة، وهنا يأتي دور جمعية حماية المستهلك التي من وجهة نظري لم تقدم اي شيء يذكر. وأضاف ان هناك اسبابا رئيسية لارتفاع الاسعار بشكل عام منها ما هو مرتبط بالارتفاعات الشاملة التي تبنى على سعر التاجر المستورد، ومنها ما هو مرتبط بالارتفاعات الفردية وأعني بها تفاوت اسعار السلعة الواحدة بين المراكز التجارية المختلفة وفي هذه الحالات يكون المستهلك الضحية. واستغرب البوعينين من الأساليب الملتوية للموزعين لرفع الأسعار وقال: «انهم يتلاعبون بالاسعار من وقت الى آخر رغم استيرادها بسعر موحد وفي رأيي ان هذا ظلم واضح للمستهلك». وقال الدكتور سعود المالكي: نسبة الارتفاع لبعض السلع الغذائية تجاوزت الحد المعقول خلال شهر شعبان الذي يستغله التجار في زيادة ارباحهم من جيوب المواطنين داعيا الى توحيد اسعار السلع واعلانها للجميع والتعامل مع أي شكوى من أي مواطن بكل جديه اضافة الى التشهير بالمركز التجاري في حالة تكررت المخالفة. وقال المالكي: إن معدل التضخم قد يتسارع في الأشهر المقبلة بعدما سجل أعلى مستوى في عام عند 5.4 في المائة على أساس سنوي في مايو الماضي نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والإيجارات، ووفقا لخبراء الاقتصاد يعتمد الاقتصاد السعودي بشكل عام على مبدأ حرية التبادل التجاري والانفتاح الاقتصادي، وتتحدد أسعار معظم السلع بحرية وفقا لقانون العرض والطلب رغم بعض أشكال الدعم والتدخل الحكومي لأسباب اجتماعية مبررة في أسواق السلع والخدمات المختلفة، ويدور الحديث باستمرار حول كفاءة السوق أو عدالة الأسعار الجارية لبعض السلع وضرورة تدخل الحكومة لفرض الأسعار المناسبة؛ وكانت أزمة الأسمنت والألبان أخيرا مثالًا حيًا لهذا السجال إذ أقدمت الحكومة على تخفيض سعر هاتين السلعتين تجاوبًا مع مطالبات شعبية ويدور نقاش جاد في أروقة مجلس الشورى حول نظامية تشكيل لجنة خاصة لدراسة توصية تقدم بها عدد من أعضاء المجلس تطالب بضرورة تحديد أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية وحمل وزارة التجارة والصناعة على التسعير العادل الذي لا يضر بالتاجر أو المستهلك. ويرجع فشل السوق في أداء مهمته إلى التأثير في الطلب أو في العرض أو في كليهما من قبل أطراف لهم مصالح يسعون إلى تحقيقها، وضعف الأطر التنظيمية التي تضعها الحكومة في تحديد دور كل من أطراف التبادل.