في السنوات الأولى من القرن العشرين كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية قد أصبحت رائدة العالم في امتلاك وإنتاج السيارات التي تسير بالبنزين. ففي العام 1907، كان عدد السيارات المسجلة بالولاياتالمتحدة 143,200، ونسبة "الموترة" 12.9 لكل 1000 شخص، وهذا أكثر من ضعفي ما كان آنذاك في كندا، المنافس الأقرب للولايات المتحدة. وفي نفس العام أنتجت 15 شركة لصناعة السيارات بأمريكا وحدها ما مجموعه 388,096 سيارة، أي أكثر بثلاث عشرة مرة تقريبا من رقم إنتاج شركات صناعة السيارات الأوربية. وفي العام 1929 كانت نسبة الموترة في الولاياتالمتحدة قد بلغت219 لكل 1000 شخص، حيث امتكلت 55% من الأسر الأمريكية سيارة، و10% منها سيارتين أو أكثر. فبعد 25 سنة فقط من بدء الإنتاج التجاري للسيارات أصبحت صناعة السيارات أضخم صناعة في الولاياتالمتحدة تستهلك 80% من انتاج البلاد المطاط، و75% من إنتاج الزجاج، و20% من إنتاج الفولاذ. وكان 20% تماماً من آلات الميكنة في البلاد يستخدم في صناعة السيارات. وفي العام 1929، أنتجت المصانع الأمريكية 85% من إجمالي سيارات العالم. لاشك أن اقتناء سيارة هي رفاهية لا يرفضها أي فرد يعرف الفائدة من توفير سيارة خاصة من راحة شخصية وحرية حركة. لكن وصول الفرد الأمريكي إلى هذه المرحلة لم يتم بالصدفة المحضة بل خطط له بذكاء ملاك شركات النفط وشركات السيارات الذين ارتبطت مصالحهم إذ يعني توسع صناعة السيارات ازدياد استهلاك النفط. وقد أدى تشابك مصالح شركات النفط وشركات السيارات إلى قيام جنرال موتورز كوربوريشن، وستاندار أويل كامباني أوف كاليفورنيا (شيفرون فيما بعد) بتطوير استراتيجية للاستحواذ اولاً على، ومن ثم تفكيك جانب كبير من منظومة النقل العام القائمة في المدن الأمريكية، وخصوصا في الساحل الغربي للولايات المتحدة. وهكذا فإنه لم يندثر النقل العام بأمريكا بسبب منافسة السيارة له، بل قُضي عليه في مؤامرة مُسبقة لإفساح الطريق أمامها؟! ولتوفير الكميات الهائلة من البنزين التي باتت تحتاجها السيارات الأمريكية، توجب على المصافي الأمريكية أن تزيد إنتاجها من 6.7 مليون برميل في اليوم سنة 1950، إلى 9.8 مليون برميل في اليوم عام 1960. وارتفع معه استهلاك البترول في الولاياتالمتحدة من 5.9 مليون برميل إلى 8 ملايين برميل في اليوم، بينما ارتفع صافي الواردات النفطية من الخارج من نصف مليون برميل في اليوم، إلى 1.6 مليون برميل في اليوم. وشيئا فشيئا زاد اعتماد الولاياتالمتحدة على النفط الخارجي، وأصبحت منطقة الشرق الأوسط مصدراً رئيساً للنفط إلى الولاياتالمتحدة. وهكذا، ومع مطلع الستينيات، كان السيفُ قد سبق العَذَل فقد أصبحت البنية الاجتماعية – الاقتصادية للمجتمع الأمريكي ككل مبنية على نحو أصبح من المستحيل تغييره في السنوات القادمة دون إرادة سياسية جبارة. § نافذة صغيرة: [ثمن الحرية في الانتقال بالسيارة إلى أى مكان، وإلى أي مدى سيكون في النهاية باهظاً، ثمنا سيترك أمريكا تعتمد بشكل متزايد على منطقة بعيدة ..] أيان رَتليدج [email protected] [email protected]