سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الانتخابات المصرية و الفرحة التي لم تكتمل بدأ تاريخ الدولة العميقة في مصر متزامناً مع الثورة المصرية بهدف الإنقلاب على نتائجها وإجهاض ثمارها وإعادة إنتاج النظام البائد
خسرت الثورة المضادة الإنتخابات المصرية الحرة عند صناديق الاقتراع سواءً الانتخابات البرلمانية بمجلسيها الشورى و الشعب أو الرئاسية رغم كل المكائد و التفخيخ القانوني لمرحلة إنتقال السلطة التي مارستها "الدولة العميقة" المصرية ، و على الرغم من ما قامت به فلول الاستبداد و الفساد من محاولات لتشويه صورة التيار الإسلامي ، فقد تمخضت الانتخابات بفوز كاسح للتيار الإسلامي و حصل بفرعيه على غالبية مقاعد البرلمان و بفارق أدهش كل القوى العلمانية و الليبرالية التي جزعت من أصول اللعبة الديموقراطية إيما جزع متذرعة بما نعتوه بديكتاتورية الأقلية. و كأنهم يثبتون الفرية الغربية بأن الديموقراطية لا تصلح أبداً لشعوبنا "المتخلفة". والحقيقة بأنه و في كل مرة تفوز فيها التيارات الإسلامية في إنتخابات حرة و نزيهة و شفافة بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء يتم الانقلاب عليها بتحريض من الدول الغربية العريقة في الديموقراطية بداية من التجربة الجزائرية في تسعينات القرن الماضي و التجربة الفلسطينية في 2006 م ، و هذه التجربة المصرية الماثلة بين أيدينا. ففي كل مرة ينقلب الليبراليون و العلمانيون و "الديموقراطيون" على الديموقراطية ، فالديموقراطية التي يدعون إليها ديموقراطية مهندسة تأتي بما تهوى أنفسهم و إلا فلا. مصطلح الدولة العميقة في المرحلة الانتقالية بمصر جديد و مشتق من مصطلح الدولة العميقة بتركيا الذي ساد الجمهورية التركية الحديثة في تحالف عميق أي خفي بين المؤسسة العسكرية و مؤسسة القضاء التركية و نخبة من المتنفذين البيرقراطيين و الرأسمالية بل و حتى كبار رجال العصابات التركية و ظل ذلك التحالف يدير الدولة من وراء الكواليس منذ عشرينات القرن الماضي عقب تمكن القوات التركية من تحرير البلاد بزعامة مصطفى أتاترك الذي أنهى الخلافة الإسلامية و أسس مكانها الجمهورية التركية العلمانية الحديثة ، و حكمت المؤسسة العسكرية التركية تركيا مع وجود حكومات مدنية صورية. و طبقاً لما نشرته صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية بهذا الشأن فإن المؤسسة العسكرية المصرية ممثلة بالمجلس العسكري الأعلى برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي تحاول إستنساخ النموذج التركي للدولة العميقة الذي ساد ( حسب رأي الصحيفة ) ما بين عام 1980 و1990 حينما سيطر الجنرالات الأتراك على الحكم ، وسمحوا للنظام المدني بالحكم ولكن بسلطات محدودة ، و أصبح لهم الكلمة العليا و الفصل في كافة الأمور المتعلقة بمستقبل البلاد. و ذهبت الصحيفة إلى أن الوضع في مصر حالياً هو الإبقاء على السلطات كاملة في يد المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، مع السماح للنظام المدني بالحكم و لكن مع زخارف من الديمقراطية ، إذ مثلاً وطبقاً للقانون الدستوري المكمل الذي استصدره المجلس العسكري الأعلى بمصر لا يكون الرئيس المصري المنتخب القائد الأعلى للقوات المسلحة كما هو الحال في كل الدول الديموقراطية في العالم ، كما أنه ليس من ضمن صلاحياته إعلان الحرب. كما تؤرخ الصحيفة للدولة العميقة بمصر بعد وقت قصير من الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في فبراير 2011 ، عندما أمر الجنرالات في مصر بإعداد ترجمة عربية للدستور التركي عام 1982م. و من دروس الدولة العميقة التركية جاءت القرارات المجهضة لمنجزات الثورة المصرية فبناء على قرارات إستصدرها المجلس العسكري من المحكمة الدستورية تم حل البرلمان المنتخب ، و تم كذلك إصدار قرار بحل لجنة كتابة الدستور بعد أن تم التوافق الوطني عليها ، و تم كذلك إصدار القانون الدستوري المكمل الذي يسلب الرئيس المنتخب الكثير من صلاحياته ، و أصبح المجلس العسكري المالك الأوحد بذلك للسلطات التشريعية في مصر ، بل و له حتى صلاحيات إشرافية على قرارات الرئيس المنتخب ، وكأن الرئيس موظف لدى المجلس الأعلى و ليس العكس صحيحا. الدرس التاريخي الحقيقي الذي قد يكون فات المجلس العسكري الأعلى بمصر هو أن الدولة المدنية قادرة مع الوقت على إنتزاع سلطات المؤسسة العسكرية و إعادتها لدورها الحقيقي ، تماماً كما حصل في تركيا بقيادة رئيس الوزراء السيد رجب طيب أردوغان فقد تمكنت الدولة المدنية من إنتزاع صلاحيتها من يد جنرالات الجيش التركي بل و تقليم أظافر المؤسسة العسكرية التركية و إعادتها إلى دورها الحقيقي ألا و هو صيانة سيادة الدولة من أي اعتداء خارجي و عدم السماح لها بزج نفسها في الشأن السياسي في البلاد. لكن الفارق بين الحالتين التركية و المصرية هي أن القوى العسكرية التركية أنشأت الدولة العميقة لتتمكن من الإستمرار في صلاحياتها الإستثنائية بعد تحرير البلاد في عشرينيات القرن الماضي ، بينما بدأ تاريخ الدولة العميقة في مصر متزامناً مع الثورة المصرية بهدف الإنقلاب على نتائجها و إجهاض ثمارها و إعادة إنتاج النظام البائد ، و ربما إستطاعت الثورة المصرية المستمرة أن تقلب السحر على الساحر دون الحاجة إلى الإنتظار لعقود متطاولة كما في النموذج التركي فالمليونيات الإحتجاجية المصرية لا تزال جارية.