اشتهرت عن العرب اللاءات الثلاث؛ ولكن تظل اللاءات في لغتنا حاضرة بقوة من: لا النافية، أو أختها ناهية، ونصل معًا إلى لا الصامتة هذه، التي فعلت بنا الكثير، فوجودها يعني الرفض وعدم الرضا، ولكن يمنعنا من قولها الخوف أحيانًا، وأحيانًا كثيرة عدم إدراكنا لأهمية الكلمة، ومعنى الرفض والقبول لكل ما يضرنا أو يضر بالآخرين، ولعجزنا عن القيام بواجبنا تجاه حرية التعبير التي كفلها لنا حقنا الإنساني بالتعبير عن آرائنا.. ولا الصامتة هذه كل مظاهر الرفض الصامت، والذي يشكّل نسبة كبيرة من ردود أفعالنا، ومن مواقفنا من إشاراتها التعبيرية كهز الرأس ميمنة وميسرة، إلى تحريك اليدين، وأقلها إظهار التأفف ممّا نسمع أو نشاهد، دون محاولة النطق بالرأي، أو الفضح لسوء ذلك المنظر، أو المشهد، أو القول، أو الفعل، ولكن انحيازنا للا الصامتة هو تحيّز للأمثال الشعبية (الموت مع الجماعة رحمة)، (والشيوخ أبخص).. وأيضًا التحيّز للمقاطعة بلا الصامتة كما حدث في مشهدنا الثقافي عند انعقاد الجمعيات العمومية، والغياب الذي شهدته الأندية الأدبية والتي كان المفترض أن تكون لا ناطقة تعيد ترتيب وتصحيح مسارات الأندية وجمعياتها العمومية. لا الصامتة.. في مشهدنا الثقافي حضرت بقوة في مشاركاتنا في إدارة المؤسسات الثقافية التي منحت الوزارة جزءًا مهمًّا من أعمالها وسياستها وإدارتها للجمعيات العمومية حين تخلّى الأعضاء عن دورهم، والاستجابة لقرارات مجالس الإدارة أو مشرفي الوزارة، وحين حضرت لا الصامتة قوّضت كل بوادر المشاركة الحقيقية في المؤسسات الثقافية. لا الصامتة أثرها كبير على العلاقات والمعاملات الإنسانية، فكم حقوق ضاعت وسُلبت! وكم من واجبات أهدرت، ومن أرواح أزهقت، والسبب هو أن لا الصامتة كانت هي التعبير الوحيد عن الرفض لما جرى ويجري من أحداث. في مشهدنا الاجتماعي تحضر لا الصامتة بعد أن غاب التناصح والتكامل والتكافل بين الناس، وأصبحت لا الصامتة هي المعبّرة عن عدم الرضا فقط عن التجاوزات والمخالفات والسلبيات في المجتمع. لنتجاوز مرحلة المطالبة إلى المشاركة، ومرحلة الرأي الواحد إلى الآراء المتعددة ولنبني ثقافة وعلاقات قائمة على الوضوح والشفافية والصدق والحوار علينا القيام بحذف لا الصامتة من قواميسنا والتصريح بآرائنا، والتعبير عن حقوقنا وحقوق الآخرين.