* كنتُ في زيارة أحد المسؤولين، وهناك -وبعد دخولي من البوابة الرئيسة- تكرَّم عليَّ أحد موظفي مكتب المسؤول بالدخول من باب سعادته.. والله ضحكت لك الدنيا يا إبراهيم، وقبل أن أدخل وجدتُ الباب الطويل العريض مقفلاً، ولا أحد بجواره، فهممتُ أن أرجع لولا أن هداني الله، وقمتُ بطرق الباب، فإذا بموظف الأمن يفتح لي، وهو في ذهول، وعلى الفور داهمني بسؤال: مَن أنت؟ ومَن سمح لك بالدخول من هنا؟ حقيقي ارتبكتُ جدًّا، وبعدها قلت له: يا أخي مهل،اً وكأنك تدخلني من باب الريان!! لكن على أي حال أنا فلان!! وحين سمح لي انتقمت منه بالأسئلة، فكان السؤال الأول هو: ما الفرق بين هذا الباب وكل الأبواب المرصوصة أمامي؟ قال لي ألا ترى؟ قلت: نعم!! ضحك، ومن ثم قال لي: هذا باب خاص بالمسؤول فقط، قلتُ: يعزُّ مَن يشاء!! ومن ثم اتّجهتُ للداخل، فإذا بموظفين مرصوصين بحكمة، وكلهم يرقب الباب، وفجأة -وكلهم يركضون تجاه الباب- وإذا برجل يدخل من الباب الذي دخلت منه، ويتوجّه للمصعد الذي لا يقف أبدًا، وينقله -ومن معه- في رحلة مباشرة من الأرض للأعلى، بعد أن انتهت مراسم استقبال ذلك المسؤول، كنت في انتظاره!! وهناك وجدتُ بعض الذين وجدتهم بالخارج، ووجدت غيرهم، وهناك -وفي صمت- كنتُ أسأل نفسي عن العز الذي يصاحب المنصب، وعن حجم الخسائر التي تدفعها ميزانيات الدولة على عدد من الموظفين لا عمل لهم سوى استقبال وتوديع المسؤول، وإعداد قهوة وشاي المسؤول، وهي مهام يستطيع القيام بها موظف واحد، كما أن سعادته يعرف الطريق، ويستطيع أن يركب المصعد بنفسه، ويمشي على قدميه حتى المكتب، كما يستطيع أن يمارس كل أعماله بمفره دون مساعدة، ولَّا الحكاية (برستيج) وبس، طيّب لما يُعفى سعادته من منصبه ترى كيف سيكون حاله؟! * الحكاية إلى هنا، وهي حكاية عجيبة؛ لأنني ببساطة أكره أن أكون ثقيلاً، كما أكره أن يُحتفى بي لدرجة أنني أنسى أنني وُلدت عريانًا، ومشيتُ نصف عمري بمفردي، وصاحبنا المسؤول كان مثله مثلي، مثل كل الناس، بمعنى أين نحن من العالم؟ لكني أعلم جيدًا أنهم لا يهتمون إطلاقًا لا بالشكليات، ولا بالمبالغات؛ لأن اهتمامهم يكون كله منصبًّا على المنجزات، بينما لدينا الأمور كلها تختلف لدرجة أن يفرغ فريق كامل للقيام بمهام ثانوية وغير مجدية، لا.. والمصيبة أنهم ممثلون بارعون، كلهم يركض، وكلهم يفتح المصعد الذي هو يفتح أوتوماتيكيًّا، وكلهم يشير إلى الباب بيمينه للمسؤول ليدخل، وهي قضيتنا التي يجب معالجتها. * (خاتمة الهمزة).. الفساد لا يعني السرقة فقط، بل أن يكون النظام مرنًا لدرجة أنه يسمح بممارسات غير مقبولة، ومن هنا فإني أتمنى أن نحترم المرحلة، ونتعايش معها لنصنع نظامًا يعمل بطريقة تخدم الجميع، وقبل أن أختم فإني أرجوكم ألاَّ تسألوني عن اسم المسؤول، لأنني لن أقول لكم أبدًا.. وهي خاتمتي.. ودمتم. [email protected]