لقد كان الفكر القومي ابتداءً منطلقًا من القاعدة العلمانية، في مدرستيه: الليبرالية والاشتراكية؛ ولذلك رأى نفسه وجهًا لوجه أمام الفكر الإسلامي، واستطاعت الحركات القومية أن تصل إلى السلطة، انطلاقًا من الفكر القومي. وكانت الممارسات خلال القرن مناقضة للمبادئ، وتمت على يديها هزائم الأمة الكبرى، أمام المشروع الصهيوني الاستيطاني، وأمام المشروع الغربي الصليبي الاستعماري، فقدت الأمة ثقتها بهذا الفكر، من خلال ممارسات حملته ودعاته، ووجد الفكر القومي نفسه بحاجة إلى المصالحة مع الأمة، ولم يجد السبيل لذلك إلا في التعرف والتفاهم والاقتراب من الفكر الإسلامي ودعاته، فعاد الفكران إلى المصالحة، لكن الأمة فقدت ثقتها بهذا الفكر؛ الذي لم يحقق طموحات الأمة، في وحدتها وحريتها وتنميتها، والقضاء على الأزمات المستعصية فيها، كالبطالة والفقر والفساد. وقد بلغ الفكر الاشتراكي ذروته في الخمسينيات والستينيات، حيث تبنته الحركات القومية، كما نشأ الفكر الشيوعي، عند طائفة أخرى من الأمة، وأصبح القدر لهذه الأمة، لكن النتائج البائسة التي حصدتها الشعوب من هذا الفكر، من زيادة الفقر، وتفشي البطالة، والتقهقر الحضاري، والتطرف اللا ديني والإباحي، جعلته يجد نفسه وحيدًا في الساحة، بلا نصير، وكان يأخذ قوته من المعسكر الشيوعي. وفي ربع القرن الأخير، حين انهار المعسكر الشيوعي، وانهار الاتحاد السوفيتي الذي يمثله، إلى تسع عشرة دولة، تخلت نهائيًّا عن الفكر الشيوعي، وعن الدولة الشمولية؛ التي تفرض نفسها على شعبها بالقوة والإرهاب، والإذلال والاستبداد، وفقدت الأمة بالتالي ثقتها بهذا الفكر؛ الذي لم يحقق حملته ما يدعون إليه. والظاهرة الإيجابية الفكرية العامة هي مؤتمر الحوار القومي الإسلامي، وإن كان هو من صفوة المفكرين، فلعله ينطلق ليشمل حوار الحركات الإسلامية والقومية، ويأخذ من رصيد الاشتراكية في التنمية والتكافل الاجتماعي ما يعيد للمشهد الفكري ألقه.