احتلت قرية ذي عين مكانة عريقة ضمن تاريخ القرى الأثرية في منطقة الباحة في القطاع التهامي، فتلك القرية الواقعة أسفل عقبة الباحة بمحافظة المخواة ما زالت تحدث ببنيانها الذي يعكس حقبة من التاريخ العمراني في المنطقة بما احتفظت به هذه القرية من مبان، وترتفع ذي عين بحوالى 1985 مترًا عن سطح البحر ومن المنتجات التي تشتهر بها القرية الموز، الذي يتم تسويقه في المنطقة، كما توجد في القرية مقابر كثيرة للغزاة وهناك عدد من الذين حاولوا في الحقب الماضية الدخول الى المنطقة، ومن هذه القبور توجد قبور الاتراك إبان الدولة العثمانية. وأوضح الباحث الأثري صالح علي الزهراني أن قرية ذي عين تعتبر من القرى التاريخية المعمرة، حيث لا يعرف تحديدا عمرها الزمني، ويقال ان عمرها يقارب أربعمائة عام، وتم تأسيسها على مدار 300-350 سنة الماضية، وأن آخر المباني تم بناؤه عام 1950م، وهجرت القرية منذ حوالي 10-15سنة الماضية. وعن سبب تسمية القرية بهذا الاسم وجود عين ماءٍ جاريةٍ منبثقةٍ من بين الصخور، والتي تقع في الجزء الجنوبي من القرية بمحاذاة أسفل القرية، وهي ترتفع عن المزارع، ولا يعلم أحد عن مصدر الماء بالتحديد، ولا يعلم أحد عن تاريخ تلك العين، ولكن من المؤكد أن الناس بنوا القرية معتمدين على تلك العين في الشرب والزراعة. أسطورة المبصر ومياه العين تكون كما أفاد بعض الأهالي قوية التدفق في الصيف وأقل قليلا في الشتاء، وقد نسجت حول تدفق مياه هذه العين العديد من القصص والأساطير، فيقول أحد كبار السن من اهالي قرية ذي عين ان سبب تسميتها بهذا الاسم هو أن رجلًا (مبصِّرا)، أي يعرف أماكن وجود المياه تحت الأرض، جاء من اليمن، وذكر لهم ما يتمتع به من موهبة في معرفة أماكن وجود المياه في باطن الأرض فقالوا له: بصّر لنا ماء هنا أي في موقع القرية الآن فاشترط عليهم على أنه في حال خروج عصا من الذهب من مكان الماء فهي له، فقالوا: لك ما تشترط، فما مكث غير بعيد ينحت في الصخر أعلى المزرعة اليوم حتى اندفع الماء ومعه العصا الذهبية، ولكنها أصابته في عينه مع قوة اندفاع الماء، ففقأت واحدة من عينيه فأخذها وجعل يمشي والماء يجري خلفه حتى وصل أسفل الوادي عند طرف الكوبري الذي يمر أسفل مزارع الموز اليوم، وهناك التفت فوقف الماء هناك، يقول أهل القرية: لو لم يلتفت لبقي الماء يجري خلفه حتى آخر الوادي من ناحية الغرب، ولهذا السبب سميت المنطقة كلها بذي عين، وهي تسقي جميع المزارع وكل صاحب مزرعة هناك له شرب معلوم وقته وزمنه، يصرف ماء الفلج (المكان المخصص لنقل الماء) إلى مزرعته، وليس لأحد من أصحاب المزارع أن يحسد الآخر كما يقول الأهالي، ولهذا بقيت العين مئات السنين تتدفق دون انقطاع. طراز خاص ويشير الزهراني الذي قام بدراسة القرية من جميع النواحي والتي حصل من خلالها على درجة الماجستير: ان القرية تتميز بطابع بناء جميل ومميز، حيث تتراص المنازل بجوار بعضها البعض مشكلة منظرا جميلا للمشاهد لما فيها من جمال في الصنع ومتانة في البناء وروعة في التصميم وتناغم مع الطبيعة من حولها، وقد استغل بنائو القرية إمكانات الطبيعة المحيطة بالقرية وطوعوها ووظفوها لما يخدم مصلحة البناء فاستفادوا من خامات الطبيعة مثل الحجارة والتربة والأخشاب حيث تتميز المنطقة التي تقع عليها القرية بوفرة الأحجار المتنوعة الأنواع والألوان وأيضا استفادوا من وجود الأشجار بالقرب من الموقع ووظفوها في خدمة البناء ويوجد في القرية أربعون منزلا ومسجد صغير يجتمع فيه الأهالي للصلاة ولتعليم الصغار القرآن والكتابة والقراءة, كما يوجد بالقرية حصنان دفاعيان مرتفعان عن المباني بهدف كشف كامل المنطقة المحيطة بالقرية من جميع الجهات وهذه الوظيفة تشارك فيها المنازل مع الحصون حيث تعتبر بعض المنازل مثل الحصون لارتفاعها وكشفها لكل ما هو محيط بها وتلك الحصون والمباني مزودة بما يسمى الأبراج أو النوافذ الدفاعية المخصصة للقنص ورماية الأعداء. وما زال عدد من كبار السن يعملون في مزارعهم فليس بينهم وبين مزارعهم سوى شارع عام. ويقول احمد العمري ان اغلب مباني القرية من حجر «المداميك»، وقد بنيت بطريقة احترافية عالية ودقة متناهية في الرص والبناء، وسقفت تلك المباني بخشب السدر وسندت بعض الأسقف للغرف الكبيرة بأعمدة يطلق عليها محليًا اسم «زافر» ويعلو خشب السدر رقائق من الحجر تعرف محليًا باسم «صلاة»، وغطيت الأحجار بالطين، وتتوزع حجرات المبنى على الاستعمالات اليومية لأهل القرية، فالأدوار الأولى تخصص عادة للاستقبال والجلوس والأدوار العليا للنوم وتزيد خصوصية المسكن كلما يصعد للأعلى، كما يوجد مسجد صغير في الناحية السفلى من القرية. نظام الري أما عبدالرحمن العمري فيقول ان الاهالي وخصوصا كبار السن ما زالوا متمسكين بالزراعة ومتابعة مزارعهم والتي تنتج الموز والليمون والكاذي، كما تجدهم منذ مشرق الشمس وحتى الغروب وهم يحرسون تلك المزارع من القرود والايدي العابثة، ويعتمد الاهالي على تلك المنتجات كمصدر للدخل، وقد استفاد الاهالي من ماء القرية حيث قاموا ببناء خليج من الحجارة تمر المياه الجارية من تحته ويستخدم كبسطة يلتقي فيها الاهالي لحل مشاكل المزارع، ويقول محمد العمري وضع أهالي القرية قانون توزيع مياه العين حسب الايام حيث يستمر للمزارع الواحد اربعا وعشرين ساعة ويبدأ الدور في الحصول على الماء لعدد من المزارع تم تقسيمها بعناية حسب مساحات تلك المزارع، ويستمر لمدة أربع وعشرين ساعة وينتظر المزارع لمدة اثني عشر يومًا حتى يحصل على دوره مرة ثانية. ويوضح المؤرخ قينان الزهراني بقوله ان قانون الماء في قرية ذي عين تم وضعه من قبل أهالي القرية منذ القدم، وما زال يعمل به حتى الآن مع اختلاف بسيط في وسيلة حساب الزمن، فقد وضع أهالي القرية قانون توزيع مياه العين معتمدين على النجوم والأنواء، بينما يستخدمون في هذه الأيام الساعات الحديثة ونظام الأربع والعشرين ساعة، حيث يبدأ الدور في الحصول على الماء وهو ما يعرف محليًا «بالطوف» الساعة 12 ليلا ويشمل «الطوف» عددا من المزارع تم تقسيمها بعناية حسب مساحات تلك المزارع ويستمر لمدة أربع وعشرين ساعة وينتظر المزارع لمدة اثني عشر يومًا حتى يحصل على دوره مرة ثانية. مصدر رزق كما ان القرية أصبحت مصدر رزق لاهالي القرية وسببًا في توظيف أبنائهم برواتب مجزية وذلك من خلال جمعية تعاونية تعد الأولى في المملكة لتأهيل وترميم القرية، أعضاؤها من أهالي القرية ليشاركوا في استثمارها سياحيًا عبر العوائد التي ترد للقرية من زوارها، وليس هذا فحسب بل تمكنت من توظيف أكثر من فرد من أبنائها في مختلف مرافقها. وفي هذا السياق يؤكد رئيس جمعية ذي عين يحيى حسين عارف أن الجمعية التي تضم في مجلس إدارتها 13عضوًا من أبناء ذي عين تعد الأولى من نوعها في العناية بالتراث العمراني وإدارة الوجهات السياحية على مستوى المملكة مفيدًا أنها عملت منذ تأسيسها في عام 1430ه على تنمية القرية وإعادة تأهيلها ليستفاد منها سياحيًا وبما يحقق منافع اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية للمجتمع المحلي للقرية. ويقول ان مشاريع القرية المتنوعة التي تصل تكلفتها لثمانية ملايين ريال ستحقق العديد من فرص العمل لأهالي ذي عين وخاصة في مجال الحراسات والإرشاد السياحي وإدارة استثمارات القرية المكونة من ثمانية دكاكين وزعت أربعة منها للحرف اليدوية والأخرى للأسر المنتجة إضافة إلى المطعم والسوبر ماركت ومركز استقبال الزوار وكذا حديقة القرية التي أنشأتها أمانة المنطقة بقيمة فاقت الأربعة ملايين ريال. هيئة السياحة ومن جانبه أوضح المدير التنفيذي لفرع السياحة والاثار بمنطقة الباحة المهندس مانع ال مشرف ان الهيئة العامة للسياحة والآثار ممثلة في فرعها بالباحة وباقي الشركاء سواء بالهيئة أو المنطقة يعملون مع جمعية ذي عين التعاونية بتناغم وثقافة عالية من أجل تطوير وتأهيل القرية كواحد من أهم الموارد الاقتصادية لأبناء المجتمع المحلي، فعلى سبيل المثال قامت الهيئة بتعاون الجميع بتأهيل الممرات بالقرية وترميم بعض المباني بالقرية والمتحف والمسجد القديم بالقرية بجانب تأهيل الموقع المجاور للعين، كذلك قامت الهيئة بتعاون مميز مع أمانة المنطقة في تصميم وتنفيذ الحديقة المجاورة لمركز الزوار بالقرية بتمويل كامل من لدن أمانة منطقة الباحة بتكلفة 4 ملايين ريال، والهيئة العامة للسياحة والآثار ممثلة في إدارة التراث العمراني بالهيئة وفرعها بالباحة تعمل على استكمال مشروع مركز الزوار وملحقاته من خلال طرح المشروع خلال الأشهر القادمة.