تلقى الإسلاميون في الجزائر صدمة كبيرة بعد خسارتهم غير المتوقعة نسبيًا في الانتخابات التشريعية في الجزائر التي جرت في العاشر من مايو الماضي. وتحطمت آمالهم في الظفر بالنصيب الأكبر من مقاعد البرلمان على غرار ما حدث بمصر وتونس أو في التمتع بنفوذ أكبر لتشكيل الحكومة كما حدث بالمغرب. بعض المراقبين توقعوا صعودًا للقوى الإسلامية في الجزائر ولكن كان للهزيمة في كل الأحوال أسباب منطقية بافتراض نزاهة الانتخابات، وهو أمر أكده المراقبون الدوليون ورفضه الإسلاميون! تبدو الأسباب القانونية التنظيمية كحرمان الأحزاب الصغيرة التي لا تحصل على 5% من إجمالي الأصوات على مقاعد بالبرلمان من الأسباب المهمة للفشل، ولكن الفشل له أيضًا أسباب سياسية محضة، تمثلت في عدم قدرة القوى الإسلامية على حشد المزيد من الأنصار، والاعتماد فقط على الشحن العاطفي المستمد من التجارب الانتخابية في دول الجوار، وبالتالي لم يكن هناك عمل تنظيمي حقيقي يستطيع أن يصل إلى المواطن ويعكس احتياجاته التي عبر عن البعض منها في مظاهرات أعقبت ثورات الربيع العربي ومنها تحسين أحوال المعيشة ومحاربة البطالة وغلاء الأسعار! لم يكن للتحالف الأخضر الذي أعلنت عنه القوى الإسلامية الرئيسية الثلاث (السلام - النهضة - الإصلاح) دور فعال منذ بداية الاحتجاجات وحتى قبيل العملية الانتخابية في طمأنة الناخبين الجزائريين بالقدرة على حل مشكلاتهم، على عكس وعود صريحة ومحددة بالإصلاح السياسي والاقتصادي أعلن عنها الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وجبهة الإنقاذ الوطني، وبالتالي لم تكن هناك رغبة حقيقية لدى الشارع الجزائري في المجازفة أو المغامرة بصعود الإسلاميين، وازدادت هذه الرغبة بعدما رأى الجزائريون الأداء المخيب للآمال في مصر متمثلًا في حزب الحرية والعدالة والانتقادات المستمرة لأداء حزب النهضة في تونس! هناك أسباب أخرى لفشل إسلاميي الجزائر منها ما يتعلق بغياب التنسيق والتشتت ومنها ما تتعلق بالمصداقية، فالكثير من المرشحين الإسلاميين في الانتخابات الأخيرة هم متحالفون بشكل أو بآخر مع حكم الائتلاف في الجزائر بحزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وبالتالي فهم يتبعون نمطًا إصلاحيًا يتوافق مع رؤية النخبة السياسية ولا يتصادم معها، والواقع أن فكرة تحالفات الإسلاميين مع السلطة في الجزائر بالذات قد تلزم الباحثين بإعادة تقييم تجربة الإسلام السياسي في هذا البلد، فهي في كل الأحوال تختلف كليًا عن تجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي اكتسحت انتخابات عام 1991 وما تبعها من حرب أهلية ضروس خلفت ورائها 200 ألف قتيل! تغير الكثير جدًا منذ هذا الوقت، تغير توجه الإسلام السياسي في الجزائر وفلسفته وأهدافه، وتغيرت طبيعة زعمائه ومناصريه، ولكن طوال الوقت بقى الجزائريون على عهدهم في النضال من أجل تقدم بلدهم، وهو أمر يساعد بوتفليقة كثيرًا، ولكنه في ذات الوقت يؤرق الحكومة ويدفعها دفعًا لإنجاز وعودها بالإصلاح، فثمن الفشل باهظ جدًا!