أرقام مهولة يحطمها كل عام معرض لندن السنوي للكتاب، حسبنا أن نعرف أن عدد دور النشر المشاركة هو 24000 دار نشر، و1500 شركة معارض دولية مختصة في مجالات المعرفة والتقنية الرقمية الخادمة للمعرفة فقط. أما البرنامج الثقافي فهو حكاية أخرى فبرنامج المعرض الممتد لثلاثة أيام ليس إلّا، يضم ما مجموعه 400 محاضرة وحلقة نقاش، أربعمائة كاملة تتوزع بين محاضرات وحلقات نقاش في الترجمة والأدب والنشر وحقوق الملكية الفكرية ودور التكنولوجيا في نشر المعرفة.. تم فيها استضافة عدد هائل من كتاب العالم ومفكريه وشعرائه وروائييه وصحفييه ومترجميه للجلوس أمام الناس والحديث وتلقي الأسئلة والإجابة عنها. المعرض كان مخصصًا للجميع رغم أن البيع للأفراد لم يكن متاحًا إلا في الساعات الثلاث الأخيرة من اليوم الأخير وأغلبها كان توزيعًا مجانيًا، لكن الزائر حين يدلف إلى و احدة من صالات المعرض الضخمة يغوص في عالم عجيب من ينابيع المعرفة من أنحاء العالم كافة شرقًا وغربًا.. شمالاً وجنوبًا: يأخذك المعرض إلى عوالم سحرية من آخر العناوين العالمية - التي يحتل العرب فيها قدرًا جيدًا هذه الأيام - ثم تجد نفسك واقفًا تستمع إلى نقاش أخّاذ بين عدد من مشاهير الترجمة الأدبية العالميين حول ترجمة الأدب الثوري النابع من مدوّنات شباب مصر وسوريا ثم إلى حوار مع روائي وزّع مائة مليون نسخة من رواياته، ثم تعرقلك أمازون بأحدث إصداراتها التكنولوجية لقراءة الكتب. يمكن وصف ما يجري في المعرض بخليّة نحل عظيمة تمثل الكلمة «عسلها» الصافي والكتاب مملكتها الخالدة: وأنت تسيرلا تسمع إلاّ أحاديث الكتب فصفقة تعقد بين شركتين لشراء كميات من الاصدارات، أو أصدقاء يتحدثون عن محصولهم الثمين من العناوين، أو مناقشة اتفاق بين مؤلف ودار نشر على إصدار قريب. بالنسبة لي.. كان حظي وافرًا - على ما أعتقد - فقد دخلت من البوابة لأجد علم بلدي الأخضر يلوح للناظر فهرعت إلى الركن السعودي لأجده أكثر من ذلك، فقد احتل مساحة كبيرة في منتصف القاعة، قسمت إلى قسمين بينهما ممر فكان مكانًا مميزًا لا بد لأي زائر للعرض أن يلمحه وقد وزع فيه (الكنب) الأبيض الفخم بعناية، وقد وضعتُ كلمة الكنب بين قوسين كي لا يختلط عليك الأمر - عزيزي القارئ - فتحسب أنها الكتب.. ففي مقرّنا السعودي بمعرض لندن الدولي للكتاب قد تجد اي شيء.. أي شيء الا الكتاب .. !! يقابلك الإخوة من السعوديين والعرب المسؤولين بلطف وابتسامات صادقة وقد يعرضون عليك شيئًا من البقلاوة والحلويات، وتجد عددًا من الفتيات يتنقلن في الأرجاء لكنك لن تجد مبتغاك الذي تعنّيت من أجله: الكتاب ، هناك عدد من الكتب القليلة غير المختارة بعناية، وهناك لوحة خجولة لدار المريخ مع عدد بسيط من الإصدارات موضوعة بخجل داخل المقرّ كي لا يراها أحد ربما، وهناك الكثير من الحلويات والكنب الأبيض الفاخر. لست أدري.. ما هي الجهة المسؤولة عن الركن السعودي، قد تكون سفارة خادم الحرمين الشريفين بلندن، وقد تكون وزارة التعليم العالي، وقد تشترك وزارة الثقافة ربما، لكن مشاركتنا في معرض لندن للكتاب لم تكن موفقة أبدًا، فمعرض بهذه الضخامة يمثل فرصة ذهبية لنقل الصورة الحقيقية عن الثقافة والتنمية في المملكة العربية السعودية عبر الوسيط الرئيسي في المعرض: الكتاب، هي فرصة ذهبية لنُري العالم أن لدينا عددًا معقولاً من المفكرين والنقاد والمؤلفين، هي فرصة لنُري العالم أن لدى كتابنا الكثير والمبهر من الإنتاج الإبداعي والعلمي في مختلف التخصصات العلمية باللغتين العربية والإنجليزية وغيرهما، هي فرصة أيضًا ليلتقي ناشرونا ومؤلفونا في أكبر تظاهرة نشر في العالم بخبراء المهنة من أرجاء العالم ،هي فرصة لمن يريد أن يعمل، ولعل العلة في الإرادة ربما. معرض لندن السنوي فرصة في غاية الأهمية كي نظهر للعالم ما لدينا من حضارة وثقافة عبر الكتاب.. فرصة ذهبية لنجعل الكتاب هو من يمثّلنا ولو لمرة واحدة، فقد أرينا العالم ما يكفي من «الكنب» والفخفخة. * غصة: تعود هذه الجرعة الأسبوعية من (المضاد الحيوي) بعد توقف لقرابة خمس سنوات، هنا في بريطانيا لا يمكن الحصول على المضاد بسهولة.. يرون أنه لا يخدم جهاز المناعة لدى الانسان.. وهذه جرعة أسبوعية.. فلعلكم تكونون معها على حذر!!