أواصل الحديث عن معاوية رضي الله عنه، وفي هذه الحلقة سأرد على بعض الشبهات المثارة حوله وأخطرها أنه وراء الفتنة التي أدت إلى مقتل الخليفتين الراشدين عُثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، بل واتهامه بقتل سيدنا علي مدعين وهمية شخصية عبد الله بن سبأ مشعل الفتنة ومؤجهها حتى انتهت إلى ما انتهت إليه، واستند البعض على قول للدكتور طه حسين بوهمية شخصية ابن سبأ، والدكتور طه ليس بمؤرخ ولا مرجعية تاريخية، كما أنه اتبع مذهب الشك الديكارتي في إسلامياته، فكذب القرآن وأنكر نبوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وشكك في نسب الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي تاريخ الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في كتابه «الشيخان»، هذه بعض المآخذ على الدكتور طه حسين، فهل يعتد برأي من شكك في كل هذا؟ عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية، تحدث الكثير من المؤرخين المتقدمين عنه منهم: الحسن بن محمد بن الحنفية ( ت 95ه)، ورواية عن الشعبي (103)ه تفيد أنّ أوّل من كذب عبد الله بن سبأ، كما جاء ذكر السبئية في طبقات ابن سعد ( 230ه)، وروى الجوزجاني ( 256، أو 259ه» أن من مزاعم عبد الله بن سبأ ادعاؤه أنّ القرآن جزء من تسعة أجزاء، وعلمه عند علي»، كما ذكره البلاذري (279ه)، والطبري (310ه) وبين أنّه رأس الفتنة، ووافقه ابن الأثير (630ه)، ونقل رواياته بدون أسانيدها، كما ذكره ابن عساكر (ت 571ه)، وعرّف ابن عساكر ابن سبأ بأنّ السبئية تُنسب إليه، وأصله من اليمن، وكان يهوديًا وأظهر الإسلام، وطاف بلاد المسلمين ليلفتهم عن طاعة الأئمة، ويُدخِل بينهم الشر، وقد دخل دمشق في زمن عثمان بن عفان، وروى ابن كثير (ت 774ه) أنّه من أسباب تألب الأحزاب على عثمان، كما كتب عنه في الرجال وعلماء الجرح والتعديل منهم ابن حبان( ت 354ه) والذهبي ( ت 784ه) في ميزان الاعتدال، وجاء فيه» من غلاة الزنادقة، ضال مضل المهيج للفتنة بمصر، وباذر بذور الشقاق والنقمة على الولاة ثم على الإمام فيها» كما ذكره ابن تيمية، وشبهه ببولس اليهودي حين أظهر الإسلام وأبطن اليهودية للنيل من المسلمين، وكان بولس يهوديًا في إفساده دين النصارى، كما ذكره المقريزي في خططه، والشاطبي، وأبو الحسن الأشعري، وابن حزم الأندلسي، وفخر الدين الرازي، والكرماني وغيرهم، وذكره من مؤرخي الشيعة الناشئ الأكبر( ت 293ه)، وذكر القمي (ت 301ه) أنّ عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وادعى أنّ عليًا أمره بذلك» ويساير النوبختي (ت 310ه) القمي في تأكيد أخبار عبد الله بن سبأ، وأورده الكشي، وورد في تاريخ الطبري (5/193) على لسان أبي مخنف – لوط بن يحيى – ( ت 157ه ) كما كتب عنه بعض المستشرقين في مقدمتهم فان فلوتن، فريد لندر، وليفي ديلافيدا ليفي، ويوليوس فلهاوزن الذي نقل رأي سيف بن عمر في دور السبئية في الفتنة؛ إذ هم أصل الشر والبلاء، وقتلة عثمان وفاتِحو باب الفتنة والحرب الأهلية ومؤسسو حزب الخوارج، وهو الذى أتى بعقيدة تناسخ الأرواح، والمستشرق اليهودي الإنجليزي: برنارد لويس، فهو يرى أنّ عبد الله بن سبأ هو أصل التشيع.[أصول الإسماعيلية، ص 86]. وهكذا نجد أنّ المؤرخين القدامي، وأهم مؤرخي الشيعة وبعض المستشرقين، ومنهم يهود أقروا بأنّ ابن سبأ ليس وهمًا، وإن قال بعض المؤرخين المحدثين أمثال الدكتور سهيل زكار أنّه شخصية وهمية، فكيف نترك الأصول ونأخذ بالفروع التي في إنكارها له أهداف وأغراض؟ للحديث صلة. [email protected]