لا يبحث السياسي الأردني البارز أحمد مساعدة عن مستقبل وظيفي يعيده للحكومة او موقع الصف الأول في عمان بعد تخليه عن موقع دولي احتجاجًا على الانحياز السافر لإسرائيل، وهو يتحدث إلى «المدينة» في حوار طالب فيه شخصيات سياسية أردنية التوقف عن التذرع بأن العلاقات الاردنية - الفلسطينية ومسألة المواطنة، تقف سببا لبطء الإصلاح السياسي في الأردن. وخلال تقلده لسنوات، مواقع رسمية كان أولها الموقع الوزاري، ثم سفيرا للأردن في بروكسل وممثلا لبلاده في الاتحاد الأوروبي وأخيرا تعيينه كأول أمين عام للاتحاد من اجل المتوسط، كان الرجل يردد العبارات الرسمية الاعتيادية بالتعبير عن الموقف الرسمي، واليوم ومن خارج المواقع الرسمية يذهب رجل دبلوماسي بمواصفاته إلى أقصى ما يمكن أن يذهب إليه أي مواطن أردني بالتنديد بالخيارات البديلة وبأي طروحات إسرائيلية أو أمريكية يمكن أن تنتهي بأي برامج ما عدا الدولة الفلسطينية. وعن الموضوع الفلسطيني في الداخل الأردني، أكد مساعدة أن العلاقة الأردنية الفلسطينية، لا تنتقص من حقوق المواطنة الأردنية، مضيفا أنه ضمن الهوية الأردنية لا يوجد تعارض بين المواطنين قائم على أساس المنبت أو الأصل سيما وأن الالتزام بأمن الأردن الوطني والقومي هو مسؤولية كافة المواطنين الأردنيين الذين هم أيضًا مسؤولون عن الحالة النضالية في سبيل تسريع قيام الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين. وأشار إلى أن تعريف الهوية الأردنية بهذا الإطار من شأنه أن يحمي الأردن ويشكل النقيض الفعال لمشروع الوطن البديل بما فيها حق العودة والتعويض. وتحليل الدكتور مساعدة للوضع الأردني مقابل الأحداث التي ستشهدها المنطقة بما فيها احتمالات الحرب بالجبهة الشرقية، وكذلك فهمه لما يجري بالأردن فيه الكثير من الوجاهة السياسية، خصوصًا أن الأردن محاطة بالعراق المتوتر وسوريا الملتهبة والاحتلال الإسرائيلي وهي جهات مفتوحة على كل الاحتمالات. ويلفت أن الثابت الأردني المركزي في إطار المعادلة الفلسطينية المفتوحة على الاحتمالات السلبية هو الاقتناع التام سرًا وعلنًا بأن حربًا أهلية في الضفة الغربية وغزة هي بامتياز أسوأ ما يمكن للأردن، وهي بامتياز حدث له علاقة جذرية بالأمن الداخلي الأردني. والثابت الأردني الموازي أن عمان تحتمل حربًا أهلية في العراق وتستوعب انفجارات سياسية وأهلية بلبنان وسوريا لكن انفجارًا فلسطينيًا داخليًا مسألة لا يمكن احتمالها وتضع عمان في إطار نمط مختلف من التحديات؛ بسبب تعقيدات الديمغرافية والأمن والجغرافيا. وأضاف: الأهم من هذا وذاك أن تتوصل الفصائل الفلسطينية إلى وحدة ومصالحة حقيقية، مذكرًا أن فلسطين ليست ملكًا للسلطة الفلسطينية أو لأي فصيل فلسطيني؛ لأنها قضية عربية إسلامية بامتياز. ودعا أطراف المعادلة الفلسطينية إلى إنقاذ الموقف وتعزيز الوحدة الوطنية بما يخدم مصالح الشعب الفلسطيني. واتهم مساعدة إسرائيل بقتل المبادرات السياسية لإحياء عملية السلام واغتيالها لمشروع الدولة الفلسطينية، لافتًا إلى أن من يخاصم الوحدة الوطنية الفلسطينية هو عدو فلسطين وأن من يقف ضد الوحدة لا يتقي الله، واستعرض المسؤول الدولي السابق رحلاته المكوكية إلى جانب السفيرة الفلسطينية ليلى شهيد في بروكسل ورفض الاتحاد الأوروبي الاستجابة للكثير من المطالب الفلسطينية بسبب التمزق الفلسطيني، مشيرًا إلى أن وحدة الفلسطينيين تقوى موقفهم أمام العالم مع تأكيده على أن يكون الهدف الأسمى للوحدة خدمة مصالح الشعب الفلسطيني. وبرأي الدكتور مساعدة حصلت الآن بالعالم موجة من المتغيرات التي لا ينفع معها التمسك بالشعار على حساب الحقيقة، معتبرًا أن الأولوية القصوى الآن أمام الحكومات العربية ينبغي أن تكون تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. واستعرض الدكتور مساعدة آليات الدعم المالي الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي لبعض الدول العربية، مشيرًا إلى محاولات غير مباشرة من قبل الاتحاد لتغذية التنافس بين الدول للحصول على الأموال. وتطرق إلى علاقات إسرائيل بالاتحاد الأوروبي والمحاولات الكبيرة التي بذلها الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى لمحاولة إحياء الحوار العربي الأوروبي، مشيرًا إلى أن فشل العرب في التواصل مع العالم الغربي يعود الى ضعف وحدتهم . واستغرب الدكتور مساعدة أن يصبح خبر قتل الفلسطينيين عاديًا عند الجميع ولم يعد يستثير عواطفهم. واستعرض من خبرته فهمه لصراع الهوية في الأردن. وفي ملف الأصول والمنابت، سجل الدكتور مساعدة اعترافًا مهمًا بوجود مشكلة حقيقية، مشيرًا إلى أن أصول المشكلة موجودة في القاعدة الاجتماعية، فالشرق أردنيين عندما يجتمعون فيما بينهم يقولون كلاما مختلفا عن ذلك الذي يقولونه عندما يجتمعون مع أشقائهم وجيرانهم وأصدقائهم وكذلك يفعل نفس الشيء الأردنيون من أصل فلسطيني. وأضاف: هذه الإشكالية يجب أن تعالج لأن المواطن الأردني بأصوله ومنابته ظلم كثيرًا. وتساءل عن ما إذا كانت العدالة تقتضي بأن يكون من حق الأردني الفلسطيني القول بأن له الأردن وفلسطين، بينما يتهم الشرق أردني بإتهامات غريبة عندما يتحدث عن خياره الوحيد وهو القول بأنه أردني. وفلسفة الحقوق المنقوصة برأي المساعدة لم تكن واردة في الجدل السياسي وهي مسألة طرحت في المؤسسات الأمريكية لأهداف سياسية محورها نقل الصراع إلى أرض أخرى خارج فلسطين وإحداث حالة جدل تدفع الإسرائيليين للاسترخاء وتشتت ذهن الفلسطينيين والعرب عن القضايا الأساسية وهي حقوق الفلسطينيين الوطنية المشروعة. وتابع مساعدة أن الأردني هو كل من يقيم على الأرض الأردنية بصرف النظر عن أصوله، وعمومًا تلك قضايا يجب أن نتجاوزها جميعًا لكي نتفرغ لحماية الوطن والدفاع عنه في ظل الأحداث الخطيرة المقبلة، حيث ستتغير خرائط وتتغير أنظمة، ويصبح المطلوب من كل رأس تدبير أمر نفسه، مشيرًا الى أن نظرية الحقوق المنقوصة انتقلت للأسف الى بعض نخبنا وأصبحت موضوعًا قابلاً للجدل ويشغلنا جميعًا. وحذر مساعدة شخصيات أردنية من التذرع بأن مسألة المواطنة والعلاقات الأردنية الفلسطينية تعرقل عملية الإصلاح السياسي في الأردن. وشدد على أن تفعيل التعددية السياسية وتعزيز العمل الحزبي والحريات العامة أصبح ضرورة اساسية وملحة لإخراج الوطن من أزمته بحيث يتم بموجبه تشكيل الحكومات بناء على نتائج انتخابات عامة حرة ونزيهة من قبل رئيس الحزب الأكثر تمثيلاً في البرلمان كأولوية أو رئيس الحزب الأكثر قدرة على تكوين أغلبية برلمانية. وقال مساعدة: إنه «يرقى إلى ذلك ضرورة وحتمية تكريس دور الحكومة كصاحبة ولاية عامة وسلطات مجلس الوزراء السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية بشكل واضح ولا تنازع فيه مع أي من الجهات الأخرى، وعلى كافة شؤون البلاد والعباد الداخلية والخارجية والمرتبطة بشؤون الدفاع، وبذات الوقت تكريس وجود المعارضة كركن أساسي في النسيج الوطني وفاعل حقيقي في الحياة السياسية المحلية، ما يقود بالمحصلة الى التداول السلمي للسلطة وتكريس النظام النيابي الملكي القائم على تلازم سلطة الحكم والمساءلة وأن الشعب هو المصدر الوحيد للسلطات». أما على صعيد السياسة الخارجية، فأكد مساعدة رفضه سياسة المحاور المتضاربة في الجسم العربي، داعيًا الى علاقة تشابكية عربية مبنية على التقاء المصالح المشتركة وقيم الحرية والتعددية والديمقراطية لتشكل عمقًا استراتيجيًا للأردن وتؤدي للوصول إلى صيغة تكاملية تنموية عربية ذات اعتماد متبادل يتوجها «مفوضية عربية» على غرار المفوضية الأوروبية تحتضن الديمقراطيات العربية وترسي القواعد المشكلة والناظمة لاتحاد عربي اقتصادي ومن ثم سياسي، وفق مراحل زمنية مدروسة. وأكد على ضرورة تحصين القرار السيادي الوطني على المستوى الدولي، وتكريس تفاعل الأردن مع الشأن العالمي، استنادًا إلى رغبات المواطنين الأردنيين وتطلعاتهم، باعتبار أن الشعب هو مصدر السلطات في إطار الدولة المدنية الديمقراطية ما يستدعي عدم الانصياع لمؤثرات خارجية تمس السيادة والمصالح والقيم الوطنية، وتعزيز حضور الأردن دوليًا، على أساس من الندية والتكافؤ، ومأسسة برنامج يمكن الأردن من الخروج من منظومة المنح والمساعدات الأجنبية.