سوق الخميس بالقطيف أحد أعرق الأسواق بالمنطقة الشرقية، حيث يمتد لأكثر من مائة عام حسب روايات بعض الأهالي، وهو كرنفال أسبوعي ومعلم سياحي بالنسبة لسكان القطيف والمدن المجاورة كالأحساء والدمام والجبيل وابقيق، وكذلك لأهالي منطقة الخليج العربي؛ من البحرين والكويت وقطر والامارات، كما يكتظ بالسياح الاجانب الذين يعملون في الشركات الكبرى بالمنطقة الشرقية، مثل أرامكو وسابك وعدد من الشركات الأخرى. فضلا عن عوائده المالية الجيدة التي يجنيها أصحاب البسطات من بضائعهم. ولم يستقر سوق الخميس بالقطيف في مكان واحد عبر هذه السنين، فكان له أكثر من موقع بدأ في وسط مدينة القطيف وبعد فترة انتقل الباعة إلى موقع آخر بسبب ازدحام المباني السكانية إلى أن استقروا في هذا الموقع الذي هم فيه الآن والذي تمت تهيئته من قبل بلدية القطيف على مساحة إجمالية تتجاوز تقريبا 20 ألف متر مربع. واللافت للانتباه أن السوق لم يتوقف طوال هذه المدة، حيث يضم أكثر من 300 بائع مبسط منتشرين على جانبي السوق وفي الوسط وبعض مواقع العبور المخصصة للزوار، حيث يتوافدون من الساعات الأولى من صباح كل خميس لعرض منتجاتهم بشكل بسيط وتتهافت الناس عليهم من كل حدب وصوب لشراء المتميز من بضائعهم. يبيع كل شيء ويتسابق أصحاب هذه البسطات في وقت مبكر من ليلة الأربعاء لحجز أماكن لهم بشكل عشوائي وغير منظم، كما يرتاده أسبوعيا أكثر من عشرة آلاف زائر وزائرة ومن جميع الجنسيات العربية والجاليات الأجنبية المتواجدة في القطيف، وكذلك من أغلب دول الخليج، لأنهم يجدون فيه متنفسا لهم لاستذكار الماضي الذي ولى، ويأملون في استمراره، فهو يضم أدوات التراث الشعبي القديم التي كانت تصنع في الماضي مثل الأواني الفخارية والدلال والسُرُج وباعة الخواتيم والمسابح ومنتجات سعف النخيل من سلال وحصير وسفر ومكانس ومراوح ومقشات وغيرها، كذلك بيع الشتلات النباتية المحلية مثل الليمون واللوز والرمان والتين والنخيل، وأيضا الصناعات الخشبية البسيطة التي تستخدم للزينة والديكور، كما يوجد مكان لبيع الطيور بأنواعها المختلفة، كذلك مكان لبيع الكلاب والثعابين إضافة إلى أماكن بيع الحلويات الشعبية والمكسرات والخضراوات المحلية والملابس الجاهزة وأشرطة الكاسيت، بالإضافة إلى العديد من المعروضات القديمة التراثية كالعملات المعدنية والطوابع والعاديات. وأهم ما يميز سوق الخميس بالقطيف عن غيره أن جميع الباعة رجالا ونساء هم من كبار السن، فهو بمثابة مهرجان للتسوق حيث يفترش غالبيتهم أرضه المكشوفة إلا جزء منهم تغطيه المظلات، وتجد الباعة يتنافسون في الاسعار لجذب المتسوقين والمستثمرين، واللافت للنظر في سوق الخميس أن الزوار في تزايد كل أسبوع، ولم تمنع الزوار والبائعين الأجواء الحارة والرطوبة التي تشهدها المنطقة الشرقية خلال فصل الصيف، وتعتبر المنتجات التي تعرض في سوق الخميس من الصناعات الشعبية التي مازالت قائمة، فهي تعكس مهن أهل المحافظة وتدل على وفرة التنوع المعيشي. حفظ التراث ويقول بائع السبح والخواتيم علي عبدالكريم الذي يبلغ من العمر 60 سنة إنه بدأ بتجميع الخواتم والسبح منذ أن كان عمره 17 سنة حتى استطاع جمع ما هو قديم وعرضه في سوق الخميس. ويضيف: أحرص على عرض بضاعتي رغم التطور الذي تشهده المنطقة الا إن بعض هؤلاء الباعة مازالوا متمسكين بتراثهم القديم الذي يمثل لهم متنفسا. ويضيف عبدالكريم أن سوق الخميس يشغل حيزا واسعا من وجدان أهالي المنطقة الشرقية ولاسيما أهالي القطيف لما لهذا السوق الأسبوعي من حنين يدفع بالصغير قبل الكبير لزيارته, حتى أن كبار السن في القطيف لا يذكرون يوم الخميس ألا بأنه يوم السوق فتجد في كل صباح من يوم الخميس تتسابق أقدام أهالي محافظة القطيف نحو سوقهم التراثي الوحيد الذي تربطهم به علاقة الماضي الجميل. وينوه عبدالكريم إلى أن الإقبال في السابق كان مقتصراً على أهالي محافظة القطيف أما الآن فالسوق يحظى بإقبال كبير من مختلف المدن من الأحساء والدمام والخبر والجبيل والبحرين للبيع أو الشراء كذلك بعض الجاليات الأجنبية المقيمة في المنطقة الشرقية إضافة إلى مجموعات سياحية أجنبية تأتي من مناطق مختلفة من أرجاء المملكة وأبناء دول الخليج المجاورة بغرض الشراء ويحرصون على المجيء أسبوعيا وخاصة في فصل الشتاء حيث تكون الأجواء باردة وتساعد على التسوق وقتا أطول فالسوق يعتبر بالنسبة للكثير من الناس من التراث القديم الذي يجب المحافظة عليه. ويؤكد بائع آخر وهو علي ابراهيم ويبيع منذ أكثر من عشر سنوات أن غالبية الباعة يبيعون المنتجات المحلية المصنوعة بأيدهم بوفرة والتي تعتمد على الابتكار اليدوي والأشكال الموروثة كالصناعات الفخارية والخزفية وبأشكال جمالية تختلف حسب طبيعة استخدامها وغيرها. وبين إبراهيم أن هذه الأيام اصبح السوق يضم الكثير من البضائع المستوردة وهي كثيرة ويحتاجها الأهالي مثل الملابس الرجالية الجاهزة ونسائية وولادية كذلك الأقمشة المختلفة والأدوات المنزلية وأدوات الكهرباء والإلكترونيات والساعات وأجهزة التلفون. ويضيف ابراهيم أن غالبية منتجات سعف النخيل والأشكال التي تصنع منه تتم بواسطة مجموعة من النساء يتنافسن في عرض هذه المنتجات وهي بالتأكيد من صنع وإبداع أيديهن وتشمل المنتجات القبعات واقفاص وسلال ومنتجات أخرى متنوعة للاستخدامات المنزلية. صناعات تقليدية أبو حسين بائع أوانٍ منزلية ذات الطابع القديم ولديه عدد ليس بالقليل من العملات النقدية القديمة كذلك لديه عدد من السيوف والخناجر القديمة وبعض الصور يقول: إنه في السوق منذ أكثر من أربع سنوات وبضاعته جمعها لأنه يعشق جميع ما هو قديم. ماجد العمري وهو مربي حمام ولديه جميع أنواع الطيور ويهوى اصطياد الثعابين بجميع أنواعها والمحافظة عليها يقول: إن سوق القطيف يعتبر الوحيد الذي تباع فيه الكلاب والثعابين غير السامة وهو يحرص على الحضور أسبوعيا لعرض جميع ما لديه والالتقاء بأصدقائه. أما أم علي وهي بائعة لمنتجات سعف النخيل منذ أكثر من 10 سنوات فتقول: نادرًا ما أنقطع عن القدوم للسوق منذ بدأت العمل فيه، كما لم أعد أهتم ببيع منتجاتي اليدوية من السلال كما كنت في السابق لأن حضوري للسوق هو من أجل المحافظة على تراثنا القديم. وتضيف أم هيثم أنها تشتري سعف النخيل من المزارعين بسعر الربطة حيث تصل قيمة الربطة إلى خمسين ريالا حيث نقوم بترتيبها ووضعها في أماكن آمنة في البيت حتى لا تتعرض للتلف وخلال الأسبوع نقوم بسف الخوص وعمل الأشكال الجميلة وبيعها على بعض الزبائن الذين يهتمون بمثل هذه الأعمال. وتطالب أم هيثم وهي امرأه في العقد الخامس من عمرها الجهات المختصة بتوفير مظلات مخصصة للنساء تقيهن حرارة الشمس والرطوبة في فصل الصيف وبرودة الجو وهطول الأمطار في فصل الشتاء أسوة بالباعة الرجال الذين تم توفير المظلات لهم. ويقول العم حسين، وهو في الستينات من العمر، بحريني الجنسية، إنه منذ 20 عاما وهو يجيد صناعة النرجيلة وأدوات التدخين القديمة بجميع الأشكال التراثية والحقيقة ان اغلب الزوار يشترون منها وبعضهم يقولون نحن جئنا السوق للتفرج ومشاهدة الاشياء الاثرية. ويبين علي الهيثم احد البائعين أنه بدأ العمل في سوق الخميس منذ أكثر من 15 سنة، واصفًا عملية البيع والشراء في السوق بالعمل الشاق حيث إنها تعد من أكبر الأسواق الأسبوعية في المملكة نظرًا لكثرة زوارها وكثرة البائعين فيها, مضيفا أن السوق تشهد إقبالا متزايدا من المتسوقين خاصة في المواسم والاجازات، مطالبا الجهات المسؤولة بتنظيم جيد لعملية توزيع البسطات والمحلات حيث يطغى عليها بعض الفوضوية. اما محمد الشهري فقد أكد ان سوق الخميس بالقطيف أحد أهم الأسواق الشعبية بالمنطقة الشرقية ولم يفقد شهرته على الرغم من تطوّر المحيط الذي يقع عليه والزيادة العمرانية. ويجد المواطنون والمقيمون وزوار الشرقية في السوق مكاناً مناسباً للاستمتاع بكل ما هو تراثي وقديم وأنا منذ أكثر من 20 سنة وأنا أزور هذا السوق.