جاء تواجد الشعراء الشعبيين على مواقع التواصل الاجتماعي بالشبكة العنكبوتية مثل الفيس بوك وتويتر كامتداد طبيعي، لمواكبتهم مختلف وسائل النشر والتواصل التي ظهرت حديثًا، فهذا التواجد المكثف للشعراء والإعلاميين والمهتمين بالشعر الشعبي في مواقع التواصل الاجتماعي لم يكن طارئًا، فقد كان مسبوقًا بتواجدهم في الإنترنت بشكل عام، سواء من خلال منتديات الشعر أوالمواقع التي تعنى بالموروث والأدب، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر أتاحت للمهتمين من الشعراء والإعلاميين والكُتاب مساحات جديدة للتواصل من خلال شبكة الانترنت، وهذه المساحات التي أفرزتها هذه المواقع جاءت بمواصفات مختلفة تمامًا عما كان سائدًا في المنتديات ومواقع الشعر، أو حتى في الصحف والمطبوعات الورقية، وهوالأمر الذي منح كل المهتمين من شعراء وإعلاميين وكُتاب مزيدًا من الاستقلالية والحرية في التعبير عن الفكر والآراء الشخصية، فقد كانت المنتديات والمواقع لا تتمتع بهذه الميزة بشكل كامل، بل إنها أوجدت طواقم إشرافية لضبط بعض الآراء والأطروحات التي قد تتعارض مع توجهاتها الثقافية، فمع الفيس بوك وتويتر أصبح لكل مثقف حسابه الخاص به، يطرح من خلاله الآراء التي يعتقدها دون أن يفصلها بحسب مقاس مقص الرقيب التي يمثلها محرر المطبوعة أو مشرف المنتدى أو صاحب المواقع، كما أنه يمارس الكتابة متى وأينما شاء، فهوغير ملزم بوقت ليسلم زاويته أو مقاله للمحرر أو المشرف، كما أنه ومن خلال حاسوبه المحمول يستطيع أن يكتب تغريداته في حل أو سفر، كما أن مواقع التواصل الاجتماعي تحظى بميزة جديدة أخرى عن المواقع والمنتديات، كونها تحقق تفاعلا حقيقيًّا بين المثقف ومتابعيه، وبين المثقفين أنفسهم، فلم يكن أي متابع عادي يستطيع أن يتفاعل بشكل مباشر مع المثقف من خلال المواقع أو المنتديات، فمن المعروف أن المواقع والمنتديات الثقافية تضع ضوابط معينة للتسجيل فيها، تحول بينها والمتابع العادي، وعلى العكس من ذلك في الفيس بوك وتويتر فقد أوجدت هذه المواقع تلك الحلقة المفقودة من التواصل والتفاعل المباشر بين المثقف ومريديه، وأصبح لكل شاعر وإعلامي وكاتب متابعيه من القراء، وقد يصل تعداد زوار المشاهير منهم إلى الآلاف، ومن شأن هذا الأمر أن يعطي مقياسًا يحمل نسبة كبيرة من المصداقية في تحديد شعبية وجماهيرية كل مثقف أو شاعر، إضافة إلى كون المثقف أو الشاعر يلمس بشكل مباشر ردود أفعال متابعيه على كل ما يطرح من أفكار أو شعر أو آراء، بعيدًا عن تلك الانطباعات التي كان ينقلها محرر المطبوعة أو مشرف المنتدى بشيء من المجاملات الرقيقة وجبر الخاطر، والتي لا يمكن أن تعكس حقيقية ردود الأفعال على نتاج المثقف أو الشاعر، بل إن المثقف أو الشاعر يفاجئ في كثير من الأحيان عبر الفيس بوك وتويتر، بقراء على قدر كبير من الثقافة والوعي والنضج، فيخوض معهم نقاشات مثرية، قيمة المضمون، بليغة العبارة، كما أن المثقفين أنفسهم وجدوا في الفيس بوك وتويتر مساحات خلابة لتبادل الأفكار والنقاشات والأطروحات والآراء، بل إني أكاد أن أزعم أن الفيس بوك وتويتر كونت ساحة شعبية افتراضية لتكون ملتقى كبير ومفتوح للشعراء والإعلاميين والكُتاب والمهتمين، ليثروا بأطروحاتهم المتفقه أحيانًا والمتباينة أحيانًا أخرى المشهد الشعري، فبعد إن كان القارئ لا يعرف عن الشاعر سوى نصوصه التي تنشرها المجلات والمنتديات، أصبح يتعرف على ثقافته، فمن خلال الفيس بوك وتويتر عرفه شاعرًا وكاتبًا وربما مثقفًا، وفي ذات الوقت يتعرف عليه بتلقائيته، ربما ببساطته في التعبير، أو بأخطائه، فيقبله كما هو، ويحبه كما هو، فلم يعد بوسع الشاعر أو الإعلامي أو الكاتب أن ينعزل عن مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن أصبحت أكثر مواقع الإنترنت من حيث المتابعة والتفاعل، فالابتعاد عنها يعني الابتعاد عن نبض ناس. ومن حسنات هذه المواقع أن طريقة النشر فيها، تمثل تهذيبًا أدبيًا في أسلوب الكتابة، فهي تُعوَد صاحب الحساب على أن يكتب باختزال مكثف، بعيدًا عن الإسهاب الممل، والتفصيل غير المتناغم مع واقع مستخدمي النت، ومن شأن الاختزال في الكتابة أن يعود الكاتب على تكثيف لغته وتهذيبها، وإيصال فكرته بأبسط الكلمات، وأجملها في ذات الوقت، ولا أدل على مدى تأثير وقوة مواقع التواصل الاجتماعي في الحراك الثقافي والاجتماعي في مجتمعنا، من تلك التغريدة التي أطلقها كاتب صحافي معروف قبل أشهر، وأشعلت الساحة الثقافية بأسرها مع أنها لم تتجاوز ال140 حرفًا، وهذا أيضًا ملموس من الأعداد الكبيرة من المتابعين والمضافين في حسابات المشاهير، ليس في مجال الشعر فقط، وإنما أيضًا في مختلف المجالات من سياسة وثقافة وتربية ورياضة وغير ذلك، أمّا في مجال الشعر الشعبي تحديدًا، فأعتقد أن الفيس بوك وتويتر ساحة غنية بالنصوص الشعرية والأطروحات والكتابات التي أثرت الساحة، وشكلت رافدًا مهمًا جديدًا من روافد ساحة الشعر، سواء في النصوص، أو المقالات، أو الأطروحات النقدية أو النقاشات عن الشعر وساحته وهمومه وقضاياه المتنوعة، وهذا ما استقطب العديد من الشعراء المبتعدين عن الساحة في السنوات الأخيرة، فالمتتبع لمواقع التواصل الاجتماعي في الفيس بوك، وتويتر يلحظ تواجد عدد لا يستهان به من الشعراء المبتعدين، فلو أنهم لم يجدوا في هذه المواقع ضالتهم من التواصل والتفاعل الجماهيري المباشر لما انجذبوا إليها، بل حتى الشعراء الذين لا يتعاملون مع الانترنت لسبب أو لآخر، فتجدهم من خلال حسابات أنشأها جماهيرهم ومحبوهم، ينشرون فيها نتاجهم الشعري ويرصدون كل أخبارهم، وكأنهم متواجدون بأنفسهم في هذه المواقع، طبعًا هذا لا يعني أن مواقع شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر بلا أخطاء، فثمة سلبيات عدة لا تخلو منها مواقع التواصل الاجتماعي، والتي قد تسبب بعض القلق للشعراء المتواصلين معها، ومن هذه السلبيات سهولة انتحال شخصية أي شاعر أو إعلامي أو كاتب من قبل ضعاف النفوس، الأمر الذي يسبب الكثير من الإحراجات لهؤلاء الأشخاص، كما أن تشابه الأسماء، وتواجد بعض المنتحلين للشخصيات، يسبب بعض الربكة للمثقف صاحب الحساب الحقيقي، الذي قد يفاجأ بحسابات مشابهة تحمل نفس اسمه، ناهيك عن كونها شبكات متخصصة في التواصل والتفاعل الاجتماعي، ويمكن الإفادة منها بشكل كبير في طرح الأفكار وتبادل الآراء والنقاشات، غير أنها تظل قاصرة في بعض الجوانب، ولا يمكن أن تقدم طرحًا صحفيًّا أو ثقافيًّا متكاملاً كما تفعل الصحف والمجلات الورقية، وبعض مواقع الشعر الناضجة، التي تبنى على التنظيم والتنوع والشمولية، إلا أن تواجد الشعراء والإعلاميين والكُتاب المهتمين بالشعر الشعبي تحديدًا في الفيس بوك وتويتر، قد نجحوا من خلاله إلى حد كبير في الإفادة من هذه المواقع العصرية، ووظفوا ما فيها من تقنية متقدمة وتطور في صالح الشعر وساحته، وجعلوا من الفيس بوك وتويتر ساحة ثرية لتبادل الآراء والأفكار والنقاشات الهادفة، وهذا ما سيلمسه كل متابع لحسابات المهتمين بالشعر الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي.