هذه القاعدة تعني أن سائر الأعمال التي يقوم بها المسلم مرتبطة بنيته في فعلها، ودليل هذه القاعدة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» رواه البخاري ومسلم. وقد نص هذا الحديث العظيم على القاعدة الفقهية «إنما الأعمال بالنيات»، وذكر مثالا تطبيقيا عليها، وهو الهجرة، فمن قصد بهجرته وانتقاله من بلده إلى بلدٍ آخر وجه الله عز وجل وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد وقع أجره على الله، أما من قصد بهجرته مصلحة شخصية كالتجارة والزواج فليس له أجر على هجرته، وإنما له إدراك مصالحه الشخصية. وهذه القاعدة تبين أن مناط قبول الأعمال الصالحة وثوابها يتوقف على صحة النية وخلوصها من الشوائب، فإذا كانت النية خالصة لله ولا شائبة فيها ترتب عليها القبول والثواب - إذا كانت وفق الشرع -، أما إذا كانت النية لغير الله، كأعمال الرياء والنفاق، فإن العمل مردود على صاحبه، ويترتب عليه الإثم والوزر فضلا عن الثواب والأجر. ولكن أحيانا قد تتردد نية العمل بين مقاصد متعددة، ومن أمثلة ذلك: الصدقة بنية الشفاء، أو العمرة بنية النزهة، أو الصوم بنية الصحة، أو صلة الرحم بنية سعة الرزق وطول العمر، أو فعل المعروف بنية دفع مصارع السوء، فيتساءل كثير من الناس عن صحة أعمالهم الصالحة في تلك الحالات. والجواب الذي أراه - والله أعلم - أن كل تلك الأعمال الصالحة إذا فعلها المسلم لله عز وجل، بدون مراءاة لأحد من الناس أو استجلابا لثنائهم، واقترنت نيته تلك بمقاصد أخرى يرجوها من الله عز وجل فإن عمله صحيح مقبول إن شاء الله، وقد وردت بذلك أدلة عديدة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صدقة السر تطفىء غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، وفعل المعروف يقي مصارع السوء» رواه البيهقي في الشعب، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «داووا مرضاكم بالصدقة» رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي في الشعب. فدلت هذه الأحاديث أن المسلم إذا قرن مع نيته الخالصة نية أخرى صالحة فإن تعدد النيات غير قادح في أعماله إن شاء الله، وهذا الأمر دليل على سعة فضل الله وجزيل عطائه.