هذه القاعدة مرتبطة بالقاعدة السابقة «المشقة تجلب التيسير»، وهي دليل واضح على رفع الحرج والعنت عن المسلمين، وهكذا وصف الله جل وعلى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: «لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم»، ومما يشهد لهذه القاعدة قول الله عز وجل: «إنما حرَّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم». فإذا لحقت بالمسلم ضرورة في نفسه أو عرضه أو ماله جاز له ارتكاب المحظور عليه، فعلى سبيل المثال إذا فقد المسافر طعاما يقيم به صلبه، وخشي على نفسه الهلاك، فوجد ميتة، جاز له أن يأكل منها ما يقيم صلبه، وإذا لم يجد المسلم ما يستر جسده إلا ثوب حرير، ولو لم يستره لخشي على نفسه الهلاك بسبب برد شديد، جاز له أن يلبس ثوب الحرير، وإذا غصَّ آكلٌ في طعامه، فانحبس نفسه، وخشي على نفسه الهلاك، فلم يجد أمامه إلا كأس خمر، جاز له أن يشرب منه ما يسيغ لقمته، ولا يجوز له أن يزيد على ذلك. ومن الأمثلة التطبيقية لهذه القاعدة ما لو هجم معتدٍ على مسلم أو مسلمة بقصد القتل أو انتهاك العرض أو سلب المال، فإنه يجوز له - بل يجب في حالة الاعتداء على العرض - أن يدفع المعتدي ولو بقتله، ويدل لذلك أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «فلا تعطه مالك»، قال: أرأيت إن قاتلني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «قاتله»، قال: أرأيت إن قتلني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «فأنت شهيد»، قال: أرأيت إن قتلته؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «هو في النار» رواه مسلم. وتتعلق بهذه القاعدة أخطاء شائعة يرتكبها بعض المسلمين، منها أن يقترض بعضهم قروضا ربوية بقصد التجارة وتحسين أوضاعة المالية، معتقدا أن هذا نوع من الاضطرار الذي يبيح المحظور الربوي، ومنها - بل أشنع من سابقتها - الاقتراض الربوي لبناء منزل أو شراء سيارة، معتقدا أن هذا من الضرورات أيضا. ولذلك فإنه من المهم التأكيد على أن الضرورة التي أشار إليها الفقهاء هي خشية الهلاك أو مقاربته، وليس مجرد الحاجة فضلا عن الكماليات. وتبقى قضية المسلمين في الغرب وعملهم في بارات الخمور وصالات القمار وبنوك الربا، فلا يجوز لهم ذلك؛ لأن كل تلك المعاصي من كبائر الذنوب، ولكن يبقى السؤال: إذا لم يجد المسلم سبيلا لعمل شريف، وخشي على نفسه الهلاك، فهل له العمل في تلك الأماكن؟