(1) في العالم العربي، هناك مَن يظن أن السلطة السياسية هي أكثر شيء يهابه الكاتب، ورقيبها هو الرقيب الأقسى، والأكثر كتمًا للأنفاس.. هذا الكلام غير صحيح، أو غير دقيق! هناك سلطات أقوى، وأخطر، وأكثر شراسة: السلطة الدينية، والسلطة الاجتماعية. (2) يقولون: إذا جابه الكاتب العربي السلطة السياسية، يتحوّل إلى: بطل! وإذا جابه السلطة الدينية، يتحوّل إلى: كافر! وإذا جابه السلطة الاجتماعية، يتحوّل إلى: خائن.. ومنبوذ! (3) السلطة السياسية تُعاقب الكاتب لشهر، شهرين، سنة، خمس... السلطة الدينية تلاحقه حتى الآخرة! السلطة الاجتماعية تعاقبه مدى الحياة. (4) الكاتب لا يستطيع أن يُجابه المجتمع، ويكشف له عيوبه كاملة.. لا يستطيع أن يقول لمجتمعه: أنت مجتمع فاسد، ومنافق، ومُصاب بانفصام الشخصية! لا يستطيع أن يقول له: إن ما تلعنه في العلن، تمارسه -وبمتعة- بالخفاء! لا يستطيع أن يقول له: انظر لنفسك في أي طابور، وعند إشارة المرور، لتعلم أنك ابن الفوضى! لا يستطيع أن يقول له في وجهه: إن كل فاسد هو "نتاج" منك، ولم يهبط من المريخ، وأنت "مشروع فاسد" لو سنحت لك الفرصة! سيجادله المجتمع، وسيدخله في منطقة أيُّهما أولاً: الدجاجة أم البيضة؟.. الدولة أم المجتمع؟ سيتهمونه بأنه: يمارس جلد الذات. سيقولون له: الناس على دين زعمائهم. التتمة ص(19) ولن يقتنعوا، حتى لو رد عليهم: كما تكونوا يُولّى عليكم. (5) عندما تبتكر السلطة الاجتماعية سؤالها الشهير: "وش ترجع"؟ تأتي السلطة الدينية لتكسب رضاها، وتبتكر الإجابة: "تكافؤ النسب" وتشرعنه.. وتنسى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم..، و.. لا فرق بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى. (6) من الممكن أن ينتقد الكاتب "السياسي".. وينجو بفعلته! من شبه المستحيل أن ينتقد كبير العائلة، أو شيخ القبيلة.. ويسلم. بإمكانه أن ينتقد بعض ما تفعله السياسة، ويختلف معه.. ولكن، من الصعب أن ينتقد بعض ما تفعله القبيلة، أو أن يُفكر بتفكيك نظامها ونقده، أو هجاء بعض عاداتها السيئة. بإمكان السياسي -لو أراد- أن يُفكِّك كل هذا، ولكنه يتفرج برضا على مشهد لو لم يكن موجودًا لشارك بإنتاجه وإخراجه. أمّا أنت: ستظل عبدًا لكل هذه السلطات.. سلطة تسلمك إلى سلطة أخرى. قل لي.. كيف تفكر بوطن حر وأنت لم تتحرر من طباع الحيّ وسلطة سكانه؟! (7) من يستطيع أن يفكك النظام الاجتماعي ويعيد ترتيبه.. سيعيد ترتيب وطن بأكمله.