مفهوم الرقابة مشوش في عالمنا العربي والعالم الثالث لارتباطه ب«العقاب». ومفهوم الرقابة جزء من الطبيعة البشرية تساهم الاركيولوجيا والعلوم والبيئة والثقافة في تحديده. وهناك عدد هائل من النشاطات التي تخضع كلها لنوع من الرقابة تحددها ثقافة المجتمع نفسه، أي الثقافة بمعناها الشامل وليس النتاج الرمزي للإبداع الفكري والفني. وإذا أردنا ان نقارن بين «الرقابة» في المجتمع الفرنسي والمجتمع العربي مثلاً، فالمفهوم نفسه سيتغير ويتخذ أسماء شتى، نظراً لاختلاف الثقافتين. المجتمع الفرنسي غربي يؤمن بالتعددية الثقافية التي تسمح بتعدد الأديان واللغات والعادات والتقاليد، ويكون الفرد فيه ذا خصوصية شديدة. اما المجتمع العربي فنقيض كامل للمجتمعات الغربية، فالدين واحد وهو الإسلام واللغة واحدة وهي العربية. يستطيع المواطن الفرنسي ان يغيّر دينه من المسيحية الى الإسلام مثلاً من دون ان يفكر بنوع معين من الرقابة او العقاب، ولكن ماذا سيحدث لو ان مواطناً عربياً يعيش في الخليج أو مصر قرر ان يصبح مسيحياً؟ ستظهر أمامنا رقابات كثيرة، دينية، اجتماعية، أخلاقية، قانونية، ثقافية... وتترتب عليها أنواع متعددة من العقوبات. هذا سبب واحد من أسباب كثيرة تجعل مفهوم الرقابة مشوشاً لدينا. ويرتبط مفهوم الرقابة في مجتمعاتنا العربية بالتابوات الثلاثة المعروفة: الدين والسياسة والجنس. ويسهر على ترسيخ هذه التابوات كل من المجتمع والدولة والفرد. وهذه الأسباب تفرّخ بدورها رقابات كثيرة تحول الفرد الى رقيب سلبي او معاق نفسياً، وبالتالي فكل نشاط مهما كان نوعه ومهما كان تقليدياً يتحول الى عبء وينبغي ان يمر بمراجعات كثيرة قبل الشروع به او إنجازه. وفي طبيعة الحال، تساهم الدولة او الطبقة الحاكمة بتغذية هذه الرقابات وجعلها عنصراً من عناصر الضغط على المجتمع والفرد على السواء من اجل ديمومتها وديمومة سياساتها. على هذه الشاكلة تتحول الرقابة الى نمط ثقافي وخيار اجتماعي وطريقة في التربيةق. * كاتب عراقي