حكى طفلي طرفة أن ملكًا كان عنده مائة رجل، فعطس أحدهم، وسأل الملك: من العاطس؟ فلم يجب أحد منهم، قسمهم إلى مجموعتين وسأل الأولى عن العاطس، ولما لم يجب قتلهم، وقسم الباقين إلى مجموعتين.. حتى لم يبق منهم إلا واحدًا.. فسأله: من العاطس؟ فقال: أنا! قال: يرحمك الله ! في المثل الإنجليزي "إبريل شاور، ومي فْلَوَر" "الأمطار ثم الأزهار"، هذا العام سال الشهر نهرًا من دماء, فهل تنبت بعده أزهار الحرية والأحلام الرائعة الجديدة للشعوب المحرومة؟ منطق الأسباب والنتائج الذي يعنيه المثل هو ما ترشد إليه السنة الإلهية. معاني التكريم والرحمة والتواصل والأخلاق تدور حول معنى واحد، هو "الاحترام". احترام العقول بالكفّ عن الخداع وسوق الأضاليل والأكاذيب الدعائية على قاعدة "اكذب واكذب حتى يصدقك الناس". احترام العمل والكفاءة.. فليس الجدير بالوظيفة من يجيبك على سؤال "من تعرف؟ " بل من يجيبك على سؤال: "ماذا تعرف؟". الشهادة والخبرة والمعرفة الميدانية هي معيار الاحترام. احترام الوقت، الإحساس بأهميته، وأنه يعني الحياة، فلا يذهب إلا في شيء مقصود، ولو كان متعة أو ترفيهًا، أو عملًا متواضعًا، وما أجمل أن «لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» وأنت منهمك في أي عمل. احترام وقت الآخرين، يواعدك العاشرة، وتنتظره إلى الحادية عشرة، وإن لم يأت حتى الثانية عشرة، فباستطاعتك الانصراف في الواحدة حتى لا تثير غضبه. الفساد الإداري هو إضاعة وقت الناس الذين وضعوك في هذا العمل لخدمة الشأن العام. الاحترام الاجتماعي: التواصل، المناسبات، التهاني، التعازي، العمل الطّوعي، "بذل الندى، وكف الأذى". احترام خصوصيات الآخرين، الأسرار التي يجب ألا تُشاع، الأحوال التي يحرم كشفها والتلصص عليها، الاتصالات والإيميلات والمراسلات التي لا يجوز انتهاكها ولا تقحّمها، وويل " للهاكرز" رسميًا كان أو شعبيًا من وعيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خَطْف أبصارهم فلا يعقلون ولا يرجعون: «لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ طَعَنْتُ بِهِ فِى عَيْنِكَ إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الإِذْنَ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ » رواه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد الأنصاري. أنت يا من تعيّر أخاك بذنب عرفته بالتجسس عليه.. جرمك عند الله أعظم منه، هو كان مستترًا منكسرًا ففضحته وهتكت ستره، ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في قعر بيته! الخصوصية حتى بين الأصدقاء الحميمين أو الزوجين، تزول الحواجز والحدود والسدود، ويبقى لكل امرئ شخصيته وأسراره وأحاسيسه التي لا يبوح بها لأقرب قريب. احترام المسؤولية تعني القدرة على التدارك والتصحيح، القدرة على الاعتذار حال الخطأ، الاعتذار لا يضر، الإصرار والتجاهل هو الذي يحرمك احترام ناسك، القدرة على الاستقالة، فأنت لا تستمد أهميتك من عملك، بل من كفاءتك وقدراتك الشخصية، وهي باقية، وها هم رؤساء دول يتركون كراسيهم ويظلون أحياء فاعلين في دولهم، وفي العالم كله، قائمين على برامج ومشاريع عالمية، مقدمين المشورة والخبرة، أساتذة في جامعات. مع الجريمة والخطأ لا ينتهي الاحترام ، ينال المخطئ جزاءه ، وتُحفظ حقوقه « إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلاَ يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلاَ يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ» رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة. لست بصدد البحث عن مسوغات لتقليل احترام الآخرين، حتى أولئك الذين يجهلون عليك خير ما تقابلهم به الصفح والإعراض: حَليمٌ إِذا ما الحِلمُ زَينٌ لأَهلهُ مَعَ الحِلمِ في عَينِ العَدُوَّ مَهيبُ إِذا ما تَراءاهُ الرِجالُ تَحَفَّظوا فَلَم تُنطَق العَوراءُ وَهوَ قَريبُ سوف تتجرع الأمر أولًا، ثم تسيغه، ليصبح محمدة وسنة لك أجرها وأجر من عمل بها (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).