تحولت الرشوة إلى سلوك يومي في كثير من المجتمعات الإسلامية دون مراعاة لحرمتها.. وتنوعت أساليبها ومصطلحات "التجميل" لتلك الكبيرة فتنوعت وتعددت أساليب الاحتيال لاستلاب حقوق الآخرين، وحرمان المستحقين من حقوقهم الثابتة فلا يكاد يمر يوم إلا ونقرأ أو نسمع عن جريمة رشوة متهم فيها موظف كبير أو مسؤول بارز في أحد قطاعات العمل الحكومي أو الخاص لدرجة أن منظمة الشفافية العالمية وضعت كثيرا من الدول الإسلامية في صدارة المفسدين ودفع الرشى. "الرسالة" طرحت قضية انتشار الرشوة واستشرفت آراء العلماء حول موقف الشرع الحنيف وكيفية الحد منها: في البداية الشيخ حسين بن شامر ان الرشوة بذل المال للتوصل به إلى باطل، إما بإعطاء الباذل ما ليس من حقه، أو بإعفائه من حق واجب عليه ونهى الله تعالى عن هذا الفعل بقوله تعالى : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقًا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون". وأشار إلى أن هناك ثلاثة أطراف مشتركون في الحكم وهم الراشي: المعطي للرشوة المرتشي: الآخذ لها الرائش: الوسيط بينهما، وبين أنها خطر كبير على المجتمعات الإنسانية؛ وذلك لأنها تعطي الفرصة لتسلق من ليس أهلاً للمهن والوظائف على أكتاف أصحاب المؤهلات والكفاءات العلمية والعملية، وهي وسيلة لأكل حقوق الغير بلا مبرر، فإذا توسد الأمرَ غير أهله أثر ذلك سلبيًا على كفاءة المجتمع وإنتاجه وحسن أدائه، وتسبب ذلك في إهدار كثير من الأموال والطاقات والأوقات. وذكر أن حجم الكارثة الحقيقي عندما تصادر حقوقك وتذهب إلى أناس معدومي الضمائر لذلك كان النهي الصريح عن الرشوة وكل ما يحيط بها من تعاملات تفضي إليها أو تسهلها أو تمهد لها، حتى لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش، فلعن ركني الرشوة: الراشي والمرتشي، ولعن كذلك الماشي بها بينهما والساعي في تقريبهما، ولم يتوقف الأمر على مجرد النهي عنها وذمها، بل تعدى ذلك ليصل إلى حد اللعن الصريح الذي يعني الطرد من رحمة الله تعالى، وما هذا إلا لأن الرشوة قتل لكفاءات المجتمع فكم من مظالم انتهكت، وكم من دماء ضيعت، وكم من حقوق طمست ما أضاعها وما طمسها إلا الراشون والمرتشون. وتعرض بن شامر إلى الآثار الخطيرة لانتشار جريمة الرشوة ومنها تعطل المصالح فكم من إنسان تؤخر معاملته وتوضع في الأدراج وتزهق نفسه من كثرة المراجعات وذلك لإرغامه على دفع رشوة، وايضا انتشار الظلم وذلك بأكل أموال الناس بالباطل والتعدي على أموالهم وهذا مؤذن بخراب المجتمع، ومن بين الآثار الخطيرة لانتشار الرشوة والحديث مازال موصولا للشيخ بن شامر قتل المواهب والطاقات وذلك بإقصاء المجد العامل وإبقاء الخائن الخامل فتعطل قدرات وطاقات. معدومو الضمير أما المستشار القانوني الدكتور أحمد عبدالواحد القحطاني عضو الجمعية الفقهية بالمملكة وعضو جمعية حقوق الإنسان بالمملكة وعضو الجمعية القضائية بالمملكة فيشير إلى أن الرشوة ظاهرة تقسم المجتمع إلى فئات وطبقات مابين قادرون على دفعها ومن ثم حاصلون ليس على حقوقهم فحسب بل على ما هو أكثر، وفئة أخرى ضيعت حقوقهم بسبب عدم قدرتهم أو لأنهم رفضوا الخروج عن الفطرة السليمة التي خلقهم الله عليها، ومن ثم فالرشوة تعتبر نوعاً من الإفساد في الأرض لأنها تعمل على تعطيل مصالح العباد وتضيع الحقوق وتخرجهم عن النقاء والطهارة:" وبالتالي فنحن جميعا مطالبون بمواجهة هذه الظاهرة حتى نكون وبحق كما قال الله عز وجل بقوله:(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله". ويضيف:"كم من أناس ضيعت حقوقهم بسببها، وكم من معدومي الضمير سواء من المتداعيين أو حتى مع الأسف من وكلائهم المحامين والذين هم بحسب الأصل يمتهنون مهنة من أشرف المهن وهى إيصال الحقوق لمستحقيها ورفع الظلم عن المظلومين ولكن أخرجتهم هذه الآفة (الرشوة) عن فطرتهم السليمة، كما انه بالرشوة يفسد ميزان العدل الذي قامت به السموات والأرض فكم من مجرم أفلت من العقوبة بسبب الرشوة وكم من برئ أدين، وكم من حقوق طمست ما أضاعها إلا الراشون والمرتشون فأصابوا مصالح الأمة بالشلل. سحت .. سحت وبدوره يقول: الدكتور عبد السلام الشويعر أستاذ الفقه المقارن بقسم العلوم الشرعية والقانونية بكلية الملك فهد بأنه لا شكَّ أن الأمانة في العمل والإخلاص فيه مطلبان مهمان شرعاً وعقلاً، فرَبُّ العملِ والعاملُ إذا استشعرا الأوامرَ الشرعية والآداب النبوية المرعية من كونه مستخلفاً في مكان عمله، وأن الله سائلُه عن كل صغيرة وكبيرة مما بين يديه من الأمانة عُني برعايتها ومراعاتها وقد روى الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته). وعن أضرار الرشوة استند الشويعر: إلى قول الله عز وجل في شأن بني إسرائيل: «قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ»، ثم أبان سبحانه عن سبب غضبه، ولعنته فقال: «وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ»، وأكلُ السحت هو أخذ الرشوة. وختم الشويعر بالقول: المرتشي يأتِ يوم القيامة حاملاً ما ارتشاه على ظهره، ليزداد همُه هماً، وشدتُه ضنكا، فيُفضح على الملأ، ويهتك سترُه .