ثمة قصص أحيانا تثير انتباهك وتستدعي منك الوقوف على تفاصيلها الدقيقة من جانب إنساني، إنها لمرضى مستشفى ابن سينا بحداء على طريق جدةمكة القديم حيث يرقد عشرات المرضى على الأسرة البيضاء، بعضهم أحياء في صورة أموات بسبب جلطة أخذتهم إلى عالم الغيبوبة وآخرين أقعدهم الشلل النصفي فأصبحوا عاجزين عن ممارسة حياتهم الاعتيادية. وبالرغم من تخصص المستشفى في علاج الجذام حيث يعالج 10 مرضى مجذومين إلا أنه وفي الآونة الأخيرة بدأ يستقبل مرضى النقاهة وسط ضعف الإمكانيات وعدم وجود التمريض المتخصص في علاج هذه النوعية من المرضى. عند الدخول إلى المستشفى ستقرأ في عيون العاملين فيه علامات الحذر من انتقال الجرب الذي انتشر بين معظم المرضى فضلا عن الممرضين. رفع زميلي المصور سبابته محذرًا من الاقتراب من المجذومين والمجروبين، وبعد الإلحاح استجاب فجازفنا ودخلنا قسم مرضى الجذام الذي لا تفصله سوى أمتار بسيطة عن مرضى النقاهة. مرضى الجذام اقتربت عند عتبة أبواب غرفهم البسيطة التي لا تحتوي حتى على التلفاز، فأول ما وقعت عليه عيني رجل تجاوز الستين من عمره أمضى أكثر من شطره في المستشفى ما إن رآنا إلا وتهلل وجهه حيث صادفت زيارتنا موعد تناول عشائه فأصر علينا بمشاركته وجبته البسيطة. اعتدل في جلسته حيث كان مسندًا ظهره على مخدة كست معالمها علامات الاتساخ، ثم أخذ يطلق صيحات الترحيب بوجه بشوش على غرار أهل القرى عند مقدم الضيوف. وفي الغرفة المقابلة له تمامًا يلفت نظرك رجل نحيل الجسد أعمى البصر كثير الصمت، يبدو من ملامحه أنه قد ناهز السبعين من عمره أمضى أربعين منها داخل تلك الحجرة التي حفظ الاتجاه المؤدي إليها لذلك تجده يذهب بمفرده إلى دورة المياه ويعود إلى سريره دونما مساعدة أحد. وفي أثناء تجولنا في قسم المجذومين لا يمكنك تجاهل أصوات لأحاديث مبهمة للمرضى حيث تنتابهم حالات نفسية صعبة وصلت في بعضها بقيام بعضهم ضرب نفسه في الجدار مما أدى إلى كسر في يده. أما مرضى النقاهة والذين بلغ عددهم نحو 50 حالة تقريبًا فهم موزعون على ثلاثة أقسام أحدها يجاور تمامًا مرضى الجذام. عدم متابعة الحالات طفنا في الأروقة الثلاثة ورصدنا معاناتهم، يقول مرافق لمريض بقسم النقاهة: «أخي دخل المستشفى منذ شهر ونصف بسبب ارتفاع حرارته ووجود حمى مرتفعة لديه، وللأسف لا توجد متابعة مباشرة من الطبيب المعالج حيث إنني طلبته بنفسي لرؤية أخي ولكن قالت لي الممرضة: الطبيب مشغول وسوف نعطيك أدوية مسكنة إلى أن يأتيك الطبيب». ويواصل شرح معاناته حيث يقول:»زادت حالة أخي سوءًا بعد إصابته بمرض الجرب الذي انتشر بشكل كبير، فيما هناك غياب وعدم اهتمام من قبل الممرضين ففي القسم 10 مرضى وممرضة واحدة فقط لذلك أعتمد على نفسي في عناية أخي حيث أقوم بتغيير ملابسه يوميًا وتغذيته عن طريق الأنبوب». وجبة متكررة وفي قسم آخر اشتكى مريض مقعد بسبب شلل نصفي من عدم متابعة الطبيب له يوميًا، إضافة إلى عدم تغيير صنف وجبة العشاء مما جعل صديقه الذي يزوره يحضر له بعض الوجبات من أحد المطاعم. وأضاف:»لا أدري متى سأخرج من هنا فحالتي لم تتحسن منذ أن أتيت إلى هنا بالرغم من وجودي منذ سنتين، فنفسيتي أصبحت سيئة وأترقب إذن خروجي بفارغ الصبر». انتشار الجرب وفي الشأن ذاته قال مصدر من داخل المستشفى (تحتفظ المدينة باسمه) :»المرضى لا يلقون الاهتمام اللازم من قبل الإدارة ففي أحد الأقسام يوجد 3 ممرضين فقط لعناية 20 مريضًا، كما أنه لا توجد أجهزة تلفاز في غرفهم إضافة إلى صغر مساحة دورات المياه». وأضاف:»وبسبب عدم وجود النظافة اللازمة انتشر مرض الجرب بين المرضى ففي الأسبوعين الماضيين فقط تم اكتشاف 6 حالات». وفي ملتقى منسوبي وزارة الصحة قال أحد أعضاء المنتدى الإلكتروني تعليقا على وضع مستشفى ابن سينا:»من حولك دائمًا يدعونك للإحباط، فكل شيء يسير بالطريق الخاطئ، فلا يوجد هدف أساسي سوى التحول إلى مستشفى عام، والجرب أكل المرضى،الحلول دائمًا هي الصمت، الكل صامتون للذود عن لقمة العيش». سوء التغذية تزيد المرض من جانبه أوضح د.سعيد حنون استشاري أمراض الجلدية بمستشفى الملك عبدالعزيز ومركز الأورام بجدة أن عدوى الجرب تنتقل بمجرد لمس المصاب أو استنشاق الهواء في محيطه أو الاتصال الجنسي، وهناك أسباب تزيد من انتشاره منها سوء التغذية أو السكن غير المناسب ووجود حشرات ومخالطة أشخاص مصابين لفترة طويلة. وعرف حنون مرض الجذام بأنه «عبارة عن جرثومة تظهر على الجلد أو الأعصاب و هو مرض معدي له عدة أنواع لذلك يجب عزل المرضى في أماكن خاصة حيث تستمر فترة علاجهم سنوات طويلة»، منوهًا إلى أن «عدد الإصابات عالميًا بهذا المرض بلغت 11 مليون حالة» وحول انتشار الجرب قال:»من أسباب انتشار الجرب في المستشفيات هي إهمال التشخيص المبكر للحالات، إضافة إلى عدم نظافة أدوات المريض مثل الأغطية والمناشف والملابس لذا يجب غسلها وتنشيفها يوميًا»، مشيرًا إلى أن مناطق ظهوره تكون في العانة والسرة وحول الثدي وبين أصابع اليدين». الشؤون الصحية.. تلتزم الصمت حاولنا الحصول على رأي إدارة المستشفى، ولكن د.خالد الهباش مدير المستشفى اعتذر عن التصريح بحجة أنه غير مخوّل بذلك، ثم اتصلنا على مدير العلاقات العامة بالشؤون الصحية بمكةالمكرمة فواز الشيخ الذي طلب إرسال فاكس بالأسئلة، وبالفعل تم إرساله بتاريخ 18/04/1433ه وحتى هذه اللحظة لم يردنا أي رد بالرغم من الاتصال اليومي به.