يُهوّل نتنياهو ويُضخم الخطر الإيراني إلى درجة أن يجعل نفسه مُخلّصًا لإسرائيل من محرقة جديدة، فيبدو مثل بطة (خائف)، ويمشي مثل بطة (يُشيع المخاوف) ويُبطبط مثل بطة (يُذيع الرعب)- فإنه في الحقيقة بطة (خائف ومُخوف). بطْ - بطْ، بطبط نتنياهو مرة أخرى بخطبة تخويف في مؤتمر «إيباك» (الثلاثاء الماضي) وعاد وبرهن على أنه لم يكن في اسرائيل قط سياسي مثله بنى حياته المهنية على التخويف، في سجل مدهش من عشرات سني الرعب بلا انقطاع. يوجد زعماء كثيرون في النظم غير الديمقراطية يشيعون الخوف ويتبين أن الأمر ينتقل إلى الناخب في إسرائيل أيضًا، وأمامكم حالة نتنياهو. فما الذي عنده يعرضه على الإسرائيليين سوى التخويف؟ وماذا سيكون بعد أن يقضي بطريقة ما على الخطر الحالي؟ هل يُصاب بمرض جديد؟ هل يوجده من عدم؟ وماذا عن إشاعة الأمل، من أجل التغيير؟ إن شابًا ولد في إسرائيل قبل نحو من ثلاثين سنة لم ينشأ إلا على حملات تخويف نتنياهو من الإرهاب والذرة وحمى الخنازير لا غير. قُطعت خطبة نتنياهو 46 مرة بتصفيق عاصف. وعلم نتنياهو لماذا يخطب هذه الخطبة في مؤتمر «إيباك» خاصة وهو بيت اليهود المحافظين، والقوميين واليمينيين، ومكان انتخابه وتشجيعه الطبيعي، إنها أمريكا بيته. قال بشعور بالمرارة عند بدء كلامه أمام اليهود الذين يهتفون له: « لكن إذا كان لا بد من إلقاء هذه الخطبة التي تفضّل الصواريخ على تل أبيب على قنبلة ذرية في يد إيران، فقد كان يجب على نتنياهو أن يستجمع شجاعته وأن يخطبها في تل أبيب التي ستسقط عليها الصواريخ المتحدث عنها، لا في أمريكا اليهودية التي تهتف له في عمى ونشوة وآلية من غير أن تتعرض لخطر صاروخ صغير واحد. يستحق سكان تل أبيب الشباب أن يسمعوا عن خطط رئيس حكومتهم قبل سكان دور العجزة في فلوريدا، لكن لندَع الجغرافيا جانبًا. فقد عاد نتنياهو مرة أخرى إلى التاريخ أيضا. واستل مرة أخرى من الأرشيف وثائق المحرقة ولوّح بها مثل متسول يلوح بيده المبتورة. وكانت تلك خرائط أوشفيتس في الأممالمتحدة قبل أكثر من سنتين، وكانت أول أمس رسائل الجماعة اليهودية في أمريكا، وبقيت الرسالة هي نفسها تقول: نحن عشية محرقة أخرى. إن تشبيه ألمانيا النازية بإيران، وميونيخ بطهران يعني جعل المحرقة قزمًا وابتذالها. لكن اليهود في أمريكا يحبون هذا، أعني الاستعمال المبتذل لذكرى المحرقة. ينبغي أن نكرر قولنا إن خطر إيران الذري حقيقي وشديد. وتملك إسرائيل ما يكفي من الوسائل لردع إيران عن استعمال السلاح الذري حتى إن كل استعمال له سيكون بمثابة انتحار لإيران وفي طهران يعلمون هذا. مفهوم أنه ينبغي بذل كل جهد لمنع إيران من الحصول على القنبلة، لكن لا بواسطة زعماء مسيحانيين يُشبهون أنفسهم بُمخلّصي إسرائيل ويهود الشتات من «محرقة» أخرى لا تُرى أصلاً.