في التسعينيات من القرن الماضي كان الديموقراطيون سادة البيت الأبيض وكان نتنياهو سيد تل أبيب، والفرق بين السيدين كبير، لكن اللوبي الذي تقوده منظمة «إيباك» تقلص الفارق لصالح سيد تل أبيب. حينئذ كان العراق مصدر الخطر المزعوم، وكانت مطالب السادة في تل أبيب بضرورة ضرب العراق ضربة تجهز عليه، لكن كلينتون الذي يمسك بزمام قيادة البيت الأبيض يرفض بشدة، وحين تتزايد الضغوط يطلق صواريخ توماهوك إما من الخليج العربي أو من البحر الأحمر. اليوم يعود الديموقراطيون ويعود نتنياهو في تشدد أكثر يدفعه إليه ما جبل عليه من صلف وما يمليه عليه صنيعه الذي أعده ذات يوم ليواجه به خصومه فإذا به اليوم القوة التي يتحصن بها ويتحالف معها. حارس مواخير الليل «ليبرمان» هو الذي يضاعف من يمينية نتيناهو، ويدفعه إلى المزيد من التشدد على نحو يحقق لحزب «إسرائيل بيتنا» بغيته في هدم الأقصى وإقامة الهيكل وطرد الفلسطينيين. مصدر الخطر اليوم أصبح إيران وكأنها أحجار شطرنج: يسقط حجر ليحل حجر آخر مكانه ليتم إسقاطه حتى إعلان النصر الأخير. في التسعينيات هدد نتنياهو واشنطن بالانتقام، واليوم يمارس بنرجسية إذلالا من نوع آخر، فهو يعلن عند زيارة نائب الرئيس الأمريكي عن إنشاء (1600) منزل في القدسالشرقية متحديا بذلك كرامة نائب الرئيس واشتراطات اللجنة الرباعية والمبادرة العربية. ثم يستدعى إلى واشنطن في محاولة للتخفيف من حدة المواجهة فيعلن في «إيباك» قبيل مقابلة الرئيس أوباما، أن القدس ليست مستوطنة بل هي عاصمة إسرائيل، وأن اليهود الذين بنوها قبل ثلاثة آلاف سنة سيعيدون بناءها اليوم، وأن أمن اليهود لا يحققه لهم إلا حكومة إسرائيل وليس الزعماء الكبار، فقد استطاع كما يقول روزفلت وتشرشل (وهما زعيمان كبيران) حماية العالم، لكن لم يتمكنا من حماية اليهود. بعد أيام سيلتقي القادة العرب في مدينة «سرت الليبية» ولا أحد يتوقع كثيرا أمام توعد إسرائيل وتهديدها بعد الاحتفال «بكنيس الخراب» الذي يعد الخطوة التي تتلوها هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل على أنقاضه.