· الحديث في قضية ( حمزة كاشغري) هذه الأيام يشبه الدخول لعش الدبابير .. خصوصا إن نحا الكاتب منحىً مخالفاً للرأي العام الغاضب جدا هذه الأيام والذي لا يريد إلا قطف رأس حمزة ! .. لذا فان أي كاتب سيعد للمليون؛ بل للمليار قبل أن يفكر في الكتابة في هذا الاتجاه . لكن ..و بعيدا عن التعاطف أو حتى الادانة فان المتأمل في هذه القضية لابد أن يصطدم بالتساؤل الكبير : ما الذي يدفع شاباً صغيراً على أول عتبات العشرين إلى تجاوز كل الخطوط الحمراء و ارتكاب حماقات تطال الذات الإلهية وتمس نبي الرحمة ، و تستفز مشاعر كل المسلمين ؟! .. و كيف يتبنى شاب هو في الأصل نتاج مراكز الشباب الدعوية، و نتاج تعليمنا المتدين، وبيئتنا المحلية المتدينة مثل هذه الكفريات الناشزه والمرفوضة ؟!. · اعتمادا على معرفتي البسيطة بالشاب من خلال ما يكتب في (الفيس بوك) فسأتجاوز مسألة حب الشهرة والظهور لأقول انه ربما وقع كضحية لما يعرف ب (الانزلاق الثقافي ) ..فالشاب الذي يصفه المقربون منه بأنه ( دودة قراءه ) تخلص من آفة (الانغلاق) الثقافي التي يعاني منها أكثر من 90% من شبابنا ببعدهم عن القراءة والاطلاع .. لكنه وقع بالمقابل في آفة لا تقل عنها خطرا ولا ضررا هي ( الانزلاق ) حد الغرق في قراءات اكبر بكثير من عمر القارئ العقلي والمعرفي. · المسألة ليست بسيطة كما تبدو لأول وهلة .. فالكاتب والسياسي البريطاني الشهير ( ونستون تشرشل ) كان يقول إن من الخطأ القاتل أن يقرأ الإنسان كتباً كثيرة في حداثة سنه ، حتى وان كانت كتباً جيدة .. و كان يستشهد بشاب قرأ جميع الكتب المهمة، لكنها لم تترك أثراً جيداً عنده . و قد تناقش معه تشرشل حول الكتب التي استوعبها، وتلك التي صارت جزءا من شخصيته، وكم منها انطبع في ذهنه فوجد لها اثراً عكسياً .. و يعلل تشرشل نظريته بأن قراءة الكتب الدسمة والمعمقة في مرحلة مبكرة من حياتنا غير مفيد لأننا لن نفهمها على حقيقتها .. و المشكلة أن الإنسان يعتبر نفسه قد قرأها ويمكنه أن يشير في أحاديثه إلى عناوينها ، ولذلك نادرا ما يرجع إلى قراءتها مرة أخرى..ويضرب مثلا بالطعام، فأكل كمية مناسبة من الطعام مهم لجسم الإنسان، ولكن الكمية المناسبة للشاب غير تلك المناسبة للشخص الكبير. فأكل الطعام الكثير للشخص الكبير مثل قراءة الكتب الكثيرة للشاب الصغير. فمعدة الكبير لا تحتمل كثرة الطعام كما أن معدة الشاب الثقافية لا تحتمل كثرة الكتب ! . · (حمزه كاشغري) ضحية ما يمكن أن نسميه ( الغصة الثقافية ) فالشاب الصغير الذي ظل لسنوات يقرأ ست ساعات يومياً دون أن يكون لديه الخبرة ولا النضج ولا حتى الركيزة المعرفية والثقافية الكافية لتمييز ما يقرأ .. كان من الطبيعي جدا أن يغص عقله الصغير بتلك الوجبات الدسمة واللقم الكبيرة التي كان يزدردها دون أن يستعد لها عقله، فانحشرت في تلافيف مخه، وتسببت له بالاضطراب الفكري والنفسي .. ومكتبات الانترنت المفتوحة على مصراعيها تعد بإنتاج أكثر من حمزة إن لم نتنبه لها ونعمل على إرشاد شبابنا إلى الطريقة المثلى في استخدامها والتعامل معها. · بقي أن أتوجه لكم بالسؤال : ترى لو غص احد أبنائك بلقمة لم يستطع بلعومه استيعابها .. ثم طلب منك المساعدة .. فهل ستضرب على ظهره برفق لكي تمر الازمة بسلام .. أم ستطالب بقطع رأسه لاستخراج ما انحشر في بلعومه ؟!.